لورانس العرب: يد المستعمر في ثوب المنقذ

لورانس العرب هو الاسم الشائع لضابط الاستخبارات البريطاني توماس إدوارد لورانس (T. E. Lawrence)، الذي لعب دورًا محوريًا في الثورة العربية الكبرى (1916–1918) ضد الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.

لكن خلف الأسطورة السينمائية، يختبئ دور شديد الرمزية في التاريخ السياسي للمنطقة، يحمل في طياته مزيجًا من الخداع الاستعماري، والاستغلال العاطفي للقومية العربية، وتشكيل وعي زائف بطولي لا يزال أثره قائمًا حتى اليوم.


أداة بريطانية بوجه عربي

لورانس لم يكن مجرد ضابط استخبارات، بل كان جزءًا من المشروع الاستعماري البريطاني الذي سعى لتفكيك الإمبراطورية العثمانية وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم المصالح البريطانية والفرنسية. وقد تمثّل دوره في:

  • التغلغل داخل البيئة العربية، خاصة بين قبائل الحجاز، عبر إجادة اللغة واللباس والعادات، ليبدو كواحدٍ منهم.
  • إقناع العرب، خاصة الشريف حسين وأولاده، بأن بريطانيا تدعم قيام دولة عربية موحدة مستقلة، وهو ما لم تكن لندن تنوي الوفاء به قط.


الوجه الخفي للثورة العربية الكبرى

الثورة العربية الكبرى التي ساعد لورانس في تنظيمها وتسليحها، كانت في حقيقتها:

  • خيانة مزدوجة: فبينما وعد العرب بالاستقلال، كانت بريطانيا وفرنسا قد وقّعتا اتفاقية سايكس بيكو السرية (1916) لتقاسم تركة "الرجل المريض".
  • حرب بالوكالة: تم توجيه الحماسة القومية العربية ضد الأتراك العثمانيين، لا لتحقيق التحرر، بل لتفكيك قوة إسلامية جامعة كانت تشكل تهديدًا استراتيجيًا لأوروبا.

صناعة البطل الأبيض

لورانس العرب لم يكن مجرد فاعل خفي، بل صُنع كأسطورة غربية لبطل أنقذ العرب من أنفسهم. وقد تم تصويره لاحقًا على أنه:

  • محرر العرب ومخطط انتصاراتهم.
  • بطل نبيل "خذلته" سياسات بريطانيا، في سردية درامية تناسب الضمير الغربي.

والنتيجة؟ طمس نضالات القادة العرب الحقيقيين، وتحويل التاريخ إلى مسرحية بطولة أوروبية بوجوه سمراء.


دلالة رمزية

لورانس ليس مجرد شخص، بل رمز للاستعمار الناعم الذي يرتدي ملامح "الصديق" و"المنقذ" لكنه يزرع الخرائط والسكاكين في الظل.

فما مثّله لورانس بالأمس، تمثله شخصيات ومشاريع أخرى اليوم، تحت مسميات مثل "المستشارين"، أو "الخبراء الدوليين"، أو "الداعمين للتحول الديمقراطي"!


خلاصة

لورانس العرب كان جسرًا بين استعمارين: استعمار بالقوة وآخر بالخديعة. لقد اختُزلت بطولته في أفلام، بينما اختُزلت خيانة العرب في خرائط. ولكي نفهم كيف سقطنا، يجب أن نفكك رموز الذين نُصّبوا "أبطالًا" على ركام هزائمنا.

أحدث أقدم
🏠