موريشيوس: الجزيرة التي تحولت إلى شركة خدمات

في قلب المحيط الهندي، تبدو موريشيوس وكأنها قصة نجاح إفريقية نادرة: اقتصاد مستقر، مؤشرات نمو إيجابية، وسياحة مزدهرة.
لكن هذا النموذج "الناجح" يخفي في طيّاته تنازلات سيادية ناعمة، لا تُرى في نشرات الأخبار. فالدولة التي تبدو مستقلة، تتحول تدريجيًا إلى شركة خدمات تُدار بقوانين السوق لا بإرادة الشعب.
إنها رفاهية مصطنعة، تُخفي خلفها بنية اقتصادية هشّة، تعتمد على الخارج أكثر مما تبني في الداخل.

"التفقير الناعم – بيع السيادة على هيئة رفاه":

قد لا يُذكَر اسم موريشيوس حين يُطرح الحديث عن الفقر أو الأزمات الاقتصادية، بل تُقدَّم غالبًا كنموذج إفريقي ناجح، مستقر، مزدهر. لكن خلف هذه الصورة البرّاقة، تقبع آليات صامتة لتجريد الدولة من سيادتها، لا عبر الانقلابات أو الاحتلال، بل عبر صفقات مالية، وبرامج استثمار أجنبي، واتفاقيات "تنمية" تُعيد تشكيل البلد كخدمة مدفوعة لأطراف خارجية. إنها حالة من التفقير الناعم: حيث لا يُنهَب الشعب بالسلاح، بل يُستدرَج باسم الرفاه.

في قلب المحيط الهندي، تقف موريشيوس كواحدة من "أنجح" الدول الإفريقية وفق تقارير المؤسسات الدولية.

لكن خلف لغة المؤشرات والتنمية المستقرة، تخفي الجزيرة نموذجًا ناعمًا من فقدان السيادة، حيث تتحوّل الدولة إلى مركز خدمات مؤجَّر، بلا إنتاج حقيقي ولا استقلال استراتيجي.


مركز مالي بقوانين مريحة... ولكن لمن؟

افتُتحت موريشيوس كمركز مالي دولي منذ التسعينيات، وأصبحت محطة وسيطة لتدفقات الأموال إلى إفريقيا وآسيا.
لكن هذه الأموال لا تمر في اقتصادها الحقيقي، بل تُستخدم لتجنّب الضرائب والقيود عبر ما يُعرف بـ**"الملاذات الآمنة".**
وهكذا، تتحول الجزيرة إلى أنبوب مالي يخدم الشركات الكبرى، دون فائدة تُذكر لسكانها.


الأراضي ليست للزراعة... بل للاستثمار العقاري

في حين يعاني السكان من ارتفاع أسعار الأراضي وصعوبة امتلاك المساكن، تُباع أجزاء واسعة من الجزيرة لمشاريع عقارية تستهدف الأجانب، ضمن برامج "الإقامة مقابل الاستثمار".
أرض الوطن لم تعد ملكًا لأهله، بل مشروطة بمن يدفع بالدولار.


اقتصاد خادم لا قائد

تفتخر الحكومة بأن موريشيوس مركز للخدمات المصرفية، والسياحة، والتعليم الخاص، لكن هذه القطاعات تعتمد على الخارج أكثر من الداخل.
لا مصانع، لا صناعات ثقيلة، ولا بنية إنتاج غذائي كافية.
والنتيجة: دولة تعتمد على رضا السوق، لا على قوة داخلية متينة.


استقرار سياسي... تحت إشراف غير معلن

رغم التعدد الإثني والديني، بقيت موريشيوس مستقرة سياسيًا.
لكن هذا "الاستقرار" يعود في جزء منه إلى انخراط وثيق مع بريطانيا وفرنسا والهند، سواء عبر استثمارات، أو تعاونات أمنية، أو اتفاقيات عسكرية غير معلنة.
فمن يحمي السيادة؟ الدولة أم شركاؤها الدوليون؟


رفاهية مختارة... وهشاشة مقنّعة

قد يظهر للمراقب أن موريشيوس "قصة نجاح"، لكنها قصة مبنية على هشاشة كامنة:
ارتفاع الدين الخارجي، تبعية غذائية، اقتصاد خدمي هش، وفقدان تدريجي للسيطرة على الأرض والمصير.
إنه تفقير مغلّف بلغة التقدم، وتآكل سيادة مموّه ببريق الخدمات.

أحدث أقدم
🏠