
ليست كل دولة فقيرة ضحية مشروع تفقير خارجي. وفنزويلا، رغم ثروتها النفطية الهائلة، تقدّم نموذجًا مغايرًا؛ إذ لم تُسلب مواردها عبر خصخصة استعمارية أو تفكيك ناعم، بل تدهورت بسبب صراع داخلي حاد على طبيعة النظام السياسي والاقتصادي.
صراع النماذج: الاشتراكية ضد السوق
منذ عهد هوغو تشافيز، دخلت فنزويلا مرحلة تجريب لنموذج "الاشتراكية البوليفارية"، حيث أُعيد توزيع الثروات، وتأميم قطاعات واسعة من الاقتصاد، وتم تمويل برامج اجتماعية ضخمة من عائدات النفط. لكن هذه السياسة اتكأت بشكل شبه كلي على ريع النفط دون تنويع اقتصادي أو إدارة فعالة.
مع تراجع أسعار النفط، بدأت الأزمة. الدولة التي بنت وعودها على إنفاق غير مستدام، وجدت نفسها عاجزة عن تأمين الأساسيات. وجاءت سياسة الدعم الشامل وطباعة العملة لتعميق الانهيار.
الانهيار كصناعة داخلية
لم يكن هناك احتلال ناعم، ولا خصخصة موجهة من الخارج. ما حدث في فنزويلا كان تفكيكًا ذاتيًا للبنية الاقتصادية عبر استقطاب سياسي عميق. المعارضة سعت لإسقاط النظام عبر العقوبات والضغط، والسلطة تمترست خلف خطاب سيادي يبرر الفشل ويقمع الاحتجاج.
الصراع لم يكن بين دولة ومستعمر، بل بين رؤيتين متناحرتين داخل الوطن الواحد. وفي هذه الحرب، كان الشعب هو الخاسر الأكبر.
من يربح من الانهيار؟
رغم أن الفشل كان ذاتيًا، إلا أن القوى الخارجية لم تكن بعيدة تمامًا. أمريكا دعمت المعارضة، وفرضت عقوبات زادت من حدة الأزمة، بينما تحالفت الحكومة مع روسيا والصين بحثًا عن بدائل. لكن لا أحد صادر سيادة الدولة فعليًا.
اللاعبون الاقتصاديون الذين استفادوا من الأزمة لم يكونوا شركات استعمارية بل شبكات فساد داخلية، مقربة من السلطة، كوّنت ثروات عبر احتكار التوريد والتهريب.
فنزويلا خارج النموذج رغم الفقر
فنزويلا لا تنتمي إلى نماذج الدول التي فُقّرت بخصخصة سيادتها. إنها دولة فقّرت نفسها بخياراتها. فالفقر هنا ليس نتيجة مؤامرة استعمارية، بل نتاج قصر نظر سياسي، وصراع على السلطة، وتغوّل الشعبوية.
وهذا ما يجعلها حالة خاصة، يجب أن تُدرّس، لا أن تُستنسخ.