زيمبابوي: دولة انهارت بإرادتها

حين يُطرح الفقر في سياق المؤامرات الخارجية، يغفل كثيرون عن وجود دول فقّرت نفسها بيدها. ليست كل مآسي الجوع والتدهور نتاج استعمار أو تدخل أجنبي؛ أحيانًا يكون الانهيار وليد قرارات داخلية محضة. 

زيمبابوي مثال فاقع على هذا النوع من السقوط: بلد امتلك الموارد، لكنه أدارها بعقلية شعارات لا تخطيط. حين يصبح الإصلاح الزراعي أداة لتصفية الخصوم بدلًا من دعم الزراعة، وحين تتحول السيادة إلى عزلة كارثية، يصبح الفقر نتيجة طبيعية لا مؤامرة.

عندما نتحدث عن الفقر كنتاج لمؤامرات خارجية، يجب أن نميّز بين الدول التي جُرّدت من سيادتها بفعل هيكلة استعمارية، وتلك التي أسقطت نفسها بسياسات كارثية. زيمبابوي تمثّل النموذج الثاني بامتياز.


إصلاح زراعي أم انتحار اقتصادي؟

في مطلع الألفية، أطلق روبرت موغابي برنامجًا لإعادة توزيع الأراضي، سُمّي رسميًا بالإصلاح الزراعي، لكنه كان في الواقع طردًا جماعيًا للمزارعين البيض الذين كانوا يملكون مفاتيح الإنتاج الغذائي والتصديري.

تمّ تسليم الأراضي بشكل عشوائي لحلفاء السلطة، لا لفلاحين مؤهلين. النتيجة: انهار الإنتاج الزراعي، وعمّ الجوع، وانهارت العملة.


من أفقر زيمبابوي؟

لا شركات أجنبية، ولا مشاريع استعمارية حديثة، بل سلطة داخلية رفضت الإصلاح الحقيقي، وفضّلت الخطاب الثوري على التقييم الواقعي.

البنك المركزي طبع أوراقًا نقدية بلا غطاء، ما أدى إلى واحدة من أسوأ حالات التضخم في التاريخ. المجتمع الدولي انسحب، لكن لم يكن هو من بدأ الانهيار، بل كان رد فعل عليه.


أزمة بلا استعمار

اللافت في تجربة زيمبابوي هو غياب النموذج الاستعماري الجديد: لم يتم بيع الموارد عبر شركات أجنبية، ولم تُحتل الموانئ، ولم يُفرض صندوق النقد. بل إن الدولة انسحبت طوعًا من المنظومة العالمية، تحت شعار "السيادة"، لكنها فقدت كل أدوات القوة.

الذي فقّر زيمبابوي ليس العدو الخارجي، بل عقلية سلطوية مغلقة.


عندما يصبح الفشل خيارًا

زيمبابوي ليست ضحية، بل فاعل في مأساتها. نموذجها يعلّمنا أن التفقير لا يحتاج دائمًا إلى استعمار. أحيانًا يكفي قرار واحد خاطئ، يُبنى عليه خطاب شعبوي، ثم تتراكم الأخطاء لتصنع جحيمًا.

ولهذا فهي تُستثنى من نماذج التفقير المدروس الخارجي، رغم فقرها القاسي.

أحدث أقدم
🏠