
كوريا الشمالية ليست ضحية استعمار اقتصادي ولا تابعًا للنيوليبرالية، بل حالة نادرة من الفقر الذي صيغ كعقيدة سياسية. منذ انتهاء الحرب الكورية، اختارت بيونغ يانغ طوعًا طريق الانعزال، ورفعت شعار "الاعتماد على الذات" كدرع أيديولوجي ضد العالم. السيادة المطلقة، التي حلمت بها الأنظمة الأخرى، تحققت هنا، لكنها تحوّلت إلى قيد خانق بدلًا من أن تكون أداة تحرر.
لا خصخصة، لا تدخل أجنبي، لا شركات عابرة للحدود. فقط نظام مغلق بإحكام، جعل من البقاء السياسي هدفًا، ولو على حساب تجويع الشعب.
السيادة المطلقة كقيد
منذ الحرب الكورية، انتهجت بيونغ يانغ سياسة الاعتماد على الذات (Juche)، ورفعت شعار السيادة المطلقة. رفضت كل أنواع التعاون الاقتصادي العالمي، وقطعت الطريق أمام الاستثمارات، بل جرّمتها.
في هذا النموذج، لا تُفرض الهيمنة من الخارج، بل تُبنى جدران العزلة من الداخل.
فقر اختياري أم عقوبة جماعية؟
خلال عقود، عاشت كوريا الشمالية على مساعدات حليفتها الصين، لكنها لم تسمح بإدماج اقتصادي فعلي. كما رفضت الانفتاح خوفًا من تسلل الأفكار.
النتيجة: بلد يمتلك قدرات نووية لكنه لا يستطيع إطعام شعبه، لأن النظام يقدّم البقاء السياسي على التنمية الاقتصادية.
لا استعمار.. لا احتلال.. لا خصخصة
لا يمكن لأي قوة خارجية أن تتهمها بالتدخل، لأن النظام لم يسمح أصلًا بالتقارب. لم تُفرض على كوريا الشمالية سياسات نيوليبرالية، ولم تُخصخص أراضيها، ولم تُفتح أسواقها.
كل شيء تم بإرادة النظام. ولهذا فإن الفقر هنا عقيدة، لا نتيجة استعمار.
نموذج منعزل لا يُحتذى
كوريا الشمالية تقدم نموذجًا فريدًا: دولة سيادية تمامًا، فقيرة تمامًا، خانقة تمامًا. إنها لا تنتمي لنماذج الدول المُفقَرة قسرًا، بل هي الدولة التي فقّرت نفسها حفاظًا على عقيدتها.