
تركيا تبدو في ظاهرها قصة نجاح: قوة عسكرية فاعلة، صناعات متقدمة، ونفوذ سياسي إقليمي متصاعد. غير أن هذه الصورة تخفي وراءها هشاشة اقتصادية متنامية، نسجت خيوطها تحت ستار من الاستقلال المزيّف. فمنذ بدايات المشروع التنموي في عهد العدالة والتنمية، ارتبط الصعود الاقتصادي التركي بتدفقات القروض والاستثمارات الغربية، لا ببنية إنتاج ذاتية.
ومع تعاقب موجات الخصخصة، تسرّبت مفاصل الدولة إلى قبضة رأس المال الأجنبي، فيما حافظت الدولة على مظهر السيادة الصلبة.
وهكذا تحوّلت تركيا إلى نموذج مزدوج: سلطة سياسية مستقلة، واقتصاد يتنفس عبر رئة الآخرين. تركيا دولة قوية عسكريًا، متقدمة صناعيًا، صاحبة نفوذ إقليمي واسع. ومع ذلك، فإن النظر في وضعها الاقتصادي يكشف عن طبقات من التبعية الناعمة، والتفقير الممنهج، تحت غطاء من الاستقلال الظاهري.الحلم العثماني في قبضة الدَّين
منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، تبنّت تركيا مشروع نهوض اقتصادي كبير، لكن هذا المشروع استند بشكل واسع على القروض الأجنبية، والاستثمارات الغربية، وليس على بنية إنتاج مستقلة.
النتيجة: اقتصاد هش قائم على الاستدانة، سريع الانكشاف أمام تقلبات الأسواق.
الخصخصة بوابة التبعية
شهدت تركيا أكبر موجة خصخصة في تاريخها الحديث. بيعت الموانئ، والمصانع الكبرى، وشركات الاتصالات، وحتى بعض الأراضي، لشركات دولية.
بهذا المعنى، فإن كثيرًا من مفاصل الدولة أصبحت بيد رأس المال العالمي، دون أن يُدرك المواطن أن السيادة تتآكل اقتصاديًا، لا عسكريًا.
قبضة أردوغان.. ولكن
رغم الحضور الطاغي لأردوغان وسيطرته على مؤسسات الدولة، فإن قراراته الاقتصادية مقيدة بواقع السوق العالمي. كما أن صندوق النقد لم يختفِ تمامًا من الصورة، بل عاد في صورة المستثمرين وشركات التصنيف.
وهو ما يجعل تركيا نموذجًا لدولة تملك سيادتها سياسيًا، لكنها تنازلت عنها اقتصاديًا عبر أدوات السوق.
ما تحت السطح
مع انهيار الليرة، وتآكل القوة الشرائية، بدأ المواطن التركي يشعر أن حلم الصعود تحوّل إلى فخ ديون. ورغم أن الإعلام يُجمّل الصورة، فإن الأرقام لا تكذب.
فهل نحن أمام دولة مستقلة أم اقتصاد مرهون؟ الجواب معقّد.