إندونيسيا: بين ديمقراطية الواجهة وتفقير الأعماق

تُقدَّم إندونيسيا اليوم كأنموذج ديمقراطي ناجح في جنوب شرق آسيا: انتخابات منتظمة، حرية تعبير، ونمو اقتصادي متواصل. لكن هذه الصورة اللامعة لا تصمد أمام التفحص النقدي، إذ تخفي خلفها منظومة اقتصادية موروثة من عهد سوهارتو، لم يُمسّ جوهرها رغم تحوّل الشكل السياسي. 

فالسيادة الاقتصادية لا تزال مرهونة لصندوق النقد، والاستثمارات الأجنبية، وشركات التنقيب العابرة للحدود. الموارد تُستنزف، والثروات تُحوّل للخارج، فيما يبقى الشعب سجين فقر مزمن، يعاد إنتاجه تحت مسمى "الإصلاح". ديمقراطية بلا عدالة، وتنمية بلا سيادة…

تلك هي معادلة إندونيسيا الحديثة.

إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، تبدو ظاهريًا ديمقراطية مزدهرة، تنمو اقتصاديًا، وتعيش تداولًا سلميًا للسلطة. لكن خلف هذه الصورة، يختبئ واقع اقتصادي قاسٍ، يُعيد إنتاج الفقر والتبعية.

ميراث سوهارتو.. لم ينتهِ

رغم سقوط النظام الديكتاتوري في التسعينات، فإن البنية الاقتصادية التي أرساها سوهارتو لم تتغير جذريًا. اقتصاد موجّه لصالح الشركات، خصخصة متوحشة، واعتماد دائم على صندوق النقد.


ديمقراطية بلا سيادة اقتصادية

جرى تصدير النموذج الإندونيسي كقصة نجاح ديمقراطي. لكن في العمق، بقيت مفاصل الاقتصاد بيد الشركات الأجنبية، وتركّزت الثروة في يد نخبة صغيرة مرتبطة بالخارج.

لهذا فإن التفقير هنا ليس صدفة، بل نتيجة بنية اقتصادية مستوردة، تُدار عبر مؤسسات "مستقلة" ظاهرًا، لكنها موصولة بالخارج فعليًا.


الموارد الطبيعية.. للبيع

رغم وفرة الموارد، فإن الذهب، النيكل، الفحم، والنفط، تُستخرج لصالح السوق العالمي. الشعب لا يرى منها إلا الفُتات.

وهكذا، فإن السيادة الشكلية للدولة تخفي واقعًا من المصادرة التدريجية للثروات.


الديمقراطية كغطاء ناعم

تتكرر الانتخابات، ويتغير الرؤساء، وتُمارَس الحريات الشكلية، لكن القرار الحقيقي يبقى بيد رأس المال العالمي، والشركات العابرة، والدين الخارجي.

وهو ما يجعل ديمقراطية إندونيسيا واجهة تغطي نظامًا اقتصاديًا تابعًا يعيد إنتاج الفقر رغم النمو.

أحدث أقدم
🏠