غزو العراق 2003: حين كذبت القوة باسم "الحرية"

لم يكن اجتياحًا لحدود، بل نسفًا لميزان. 
لم يُدمّر العراق فحسب، بل تمزّقت معه شرعية النظام العالمي.

في 20 مارس 2003، بدأ الغزو الأمريكي البريطاني للعراق تحت لافتة نُقشت عليها ثلاث كلمات: "أسلحة دمار شامل". وبعد أقل من ثلاثة أسابيع، سقطت بغداد. لكن ما سقط فعليًا لم يكن نظامًا فقط، بل آخر معاقل التوازن العربي، وأحد أبرز رموز الاستقلال السياسي في المشرق.


أولًا: الحدث – لماذا غُزي العراق؟

أُعلنت الأسباب على أنها:

  • امتلاك العراق أسلحة دمار شامل.
  • دعم الإرهاب العالمي.
  • تحرير الشعب العراقي من "الديكتاتورية".

لكن الوقائع تقول إن:

  • أسلحة الدمار لم تكن موجودة.
  • العراق لم يكن على علاقة بالقاعدة.
  • الشعب لم يُستَشَر في "تحريره".

الحقيقة أن الغزو كان قرارًا جيوسياسيًا هدفه تفكيك مركز عربي مستقل، وتأمين السيطرة الكاملة على منابع النفط والموقع الجيوستراتيجي.


ثانيًا: السياق – ما الذي سبق الغزو؟

  • حرب الخليج (1991) كانت نقطة الانهاك الأولى للعراق.
  • حصار استمر 13 عامًا دمّر البنية التحتية وأضعف المجتمع، وجرّف الطبقة الوسطى.
  • الآلة الإعلامية صورت العراق كخطر داهم، رغم تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي نفت وجود الأسلحة.


ثالثًا: النتائج – ما الذي حدث بعد 2003؟

  • تفكيك الدولة العراقية بالكامل: الجيش، الشرطة، المؤسسات، جميعها تم حلّها.
  • فتح بوابة الطائفية: تم استبدال مفهوم المواطنة بالمذهب، في بنية سياسية انفجارية.
  • صعود الجماعات المسلحة: من الفراغ الأمني ظهر التمرد، ثم القاعدة، ثم لاحقًا داعش.
  • نهب ممنهج للثروات: النفط العراقي خُصخص لصالح الشركات الغربية، في واحدة من أوقح عمليات النهب المعاصر.
  • تهجير العقول: فرّ آلاف العلماء والمثقفين، وتحوّل العراق إلى مسرح صراعات إقليمية.


رابعًا: الرمزية – ما الذي مثّله سقوط بغداد؟

لم تكن بغداد مجرد عاصمة. كانت:

  • رمزًا لحضارة عربية عريقة.
  • رأس حربة ثقافية في وجه الاستلاب الغربي.
  • معقلًا لآخر دولة عربية امتلكت قرارها السيادي بعد الحرب الباردة.

وسقوطها لم يكن إذلالًا لصدام حسين وحده، بل إذلالًا لكل من ظن أن استقلاله ممكن خارج المدار الأمريكي.


خامسًا: من الرابح؟ من الخاسر؟

  • الرابحون:
    • شركات السلاح والنفط.
    • إيران التي وجدت فجوة استراتيجية للتوسع.
    • الجماعات المسلحة التي استثمرت في الفراغ.
  • الخاسرون:
    • شعب العراق، الذي قُطّعت دولته بألف طعنة.
    • الأمة العربية، التي فقدت التوازن الاستراتيجي في المشرق.
    • فكرة القانون الدولي، التي ماتت يوم أقرّ الغزو رغم عدم تفويض الأمم المتحدة.


سادسًا: الخاتمة – هل يمكن محو آثار الغزو؟

لم يكن الغزو حادثًا، بل نقطة انكسار.
لقد أعاد تعريف مفهوم "الحرية"، فجعلها مشروطة بالولاء.
وأعاد تعريف مفهوم "السيادة"، فجعلها صالحة للنقض إذا قررت واشنطن.

ومنذ ذلك اليوم، لم تعد الشعوب تُصدق الشعارات الغربية، بل بدأت تفتش عن مصالحها بمعزل عن خطب "التحرير".

لقد علّمنا غزو العراق أن الكذبة إذا كانت كبيرة بما يكفي، يمكن أن تُعيد رسم الخريطة السياسية... لا الجغرافية فقط، بل حتى خريطة الوعي.

أحدث أقدم
🏠