صعود الصين: حين تحدّت القوة الصامتة النظام العالمي

لم تطلق رصاصة... لكنها غزت العالم. 
لم تتحدث كثيرًا... لكنها بدّلت خرائط القوة.

بينما كان العالم منشغلًا بالحروب والاضطرابات، كانت الصين تتسلل بهدوء عبر التجارة، وتبني إمبراطوريتها الحديثة من دون ضجيج. لم يكن صعودها مفاجئًا، بل كان نتيجة تخطيط طويل الأمد، ومراكمة اقتصادية مذهلة، وتحولات عميقة في بنية العالم.


أولًا: الحدث – متى بدأ الصعود؟

  • لم يكن يومًا بعينه، بل مسارًا تراكميًا بدأ فعليًا منذ نهاية السبعينات، حين أطلق "دنغ شياو بينغ" سياسة الانفتاح الاقتصادي، وخرجت الصين من قيد الأيديولوجيا الصلبة إلى اقتصاد السوق الموجّه.
  • بحلول أوائل القرن الـ21، بدأت الصين تُحكم سيطرتها على قطاعات استراتيجية: التصنيع، التجارة العالمية، البنية التحتية، التكنولوجيا، الذكاء الصناعي.
  • وفي العقد الثاني من القرن، أطلقت مشروعها الطموح: "مبادرة الحزام والطريق"، لتعزز حضورها الجيوسياسي في آسيا، إفريقيا، أوروبا، بل حتى أميركا اللاتينية.


ثانيًا: الأسباب – لماذا صعدت الصين؟

  • رؤية استراتيجية بعيدة المدى: صاغت النخبة الصينية خططًا مدروسة تمتد لعقود.
  • استقرار سياسي مركزي: لا ديمقراطية استهلاكية، بل سلطة مركزية صارمة توجه الاقتصاد وتضبط الإيقاع.
  • استثمار كثيف في التعليم والبنية التحتية: مدن، طرق، موانئ، مصانع، جامعات، كلها في خدمة الهدف الأكبر.
  • تحالف براغماتي مع الرأسمالية الغربية: وفّرت الصين اليد العاملة، والصبر، والولاء للنظام، مقابل الاستثمارات والتكنولوجيا.


ثالثًا: النتائج – ماذا غيّر الصعود الصيني؟

  • تراجع الهيمنة الأميركية المطلقة: لم تعد واشنطن قادرة على فرض إملاءاتها منفردة كما كانت في تسعينات القرن الماضي.
  • إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية: معظم الصناعات العالمية باتت ترتبط بالصين.
  • تنامي التحدي العسكري في المحيط الهادئ: خصوصًا في تايوان وبحر الصين الجنوبي.
  • انقسام سياسي عالمي جديد: بين معسكر ليبرالي غربي، ومعسكر صاعد تقوده الصين وروسيا بنموذج سلطوي مختلف.


رابعًا: الرمزية – لماذا يُعتبر الصعود الصيني مفصليًا؟

  • لأنه أطاح بأسطورة حتمية النموذج الغربي: الصين أثبتت أن الديمقراطية الليبرالية ليست شرطًا للنجاح.
  • لأنه أحرج الغرب في عقر داره: بينما تتفكك مجتمعات غربية داخليًا، تنهض الصين بتماسكها، وإن بقوة الدولة لا بإرادة الأفراد.
  • لأنه فتح الباب لعالم متعدد الأقطاب: لم يعد العالم تحت قيادة واحدة، بل في حالة "توازن صراعي" جديد.


خامسًا: من كسب؟ من خسر؟

  • كسبت الصين زمام الاقتصاد العالمي، وفرضت نفسها لاعبًا لا يمكن تجاوزه.
  • خسرت أميركا احتكار التفوق، وبدأت ترتبك أمام التحدي الذي لا يمكن غزوه عسكريًا.
  • كسب الجنوب العالمي بديلًا محتملاً عن الهيمنة الغربية، وإن لم يكن بلا ثمن.
  • خسرت الدول النامية التي لم تُدرك معنى اللحظة، وبقيت عالقة في التبعية، لا تصنع ولا تنافس.


سادسًا: سؤال المرحلة – هل ينهار النظام الليبرالي الغربي؟

ليس بالضرورة أن ينهار، لكنه فقد صفة القداسة الكونية. ما كان يُعتبر النموذج النهائي للتاريخ، بات مجرد خيار بين خيارات. والصين، بصعودها الهادئ، لم تفرض نفسها كنقيض، بل كمسار ثالث: سلطوي اقتصادي ناجح.

إنه ليس فقط صراع قوى... بل صراع سرديات: من يكتب قصة النجاح؟ ومن يقود الإنسانية في مرحلة ما بعد الهيمنة؟

أحدث أقدم
🏠