تركيا: فشل الانقلاب في 2016: حين واجهت الشعوب الرصاص بلا سلاح

ليلة صمتت فيها البنادق أمام الحشود... 
وسقطت أسطورة العسكر أمام إرادة الجماهير.

لم تكن مجرد محاولة انقلاب. كانت مواجهة فاصلة بين عقيدة الانقلابات التي حكمت العالم العربي والإسلامي لعقود، وبين مفهوم جديد للشرعية الشعبية. كانت تركيا على شفير الهاوية، لكن ما جرى في تلك الليلة أعاد رسم التوازنات الإقليمية، وهزّ النموذج السلطوي من الداخل.


أولًا: الحدث – ماذا جرى في 15 يوليو 2016؟

  • في مساء الجمعة، أعلنت مجموعة من ضباط الجيش التركي عبر بيان مفاجئ السيطرة على الحكم.
  • أُغلقت الجسور، تحركت الدبابات، وسيطرت القوات الانقلابية على بعض المفاصل الإعلامية والعسكرية.
  • لكن المفاجأة الأكبر جاءت من الشعب: خرج الآلاف إلى الشوارع، وواجهوا الدبابات بصدورهم العارية، بناءً على نداء من الرئيس أردوغان عبر بث مباشر على الهاتف.
  • خلال ساعات قليلة، انهار الانقلاب، واستعاد المدنيون زمام المبادرة لأول مرة في تاريخ تركيا الحديث.


ثانيًا: الأسباب – لماذا وقع الانقلاب؟ ولماذا فشل؟

  • الدافع: تصفية تيار "الخدمة" الموالي لغولن، وتراكم التوتر بين القيادة السياسية والجيش منذ 2003.
  • البُعد العميق: الانقلاب محاولة يائسة من "الدولة العميقة" لاستعادة تركيا ما قبل أردوغان، دولة العسكر والنخب الأتاتوركية.
  • الفشل:

    • ضعف التنسيق بين الوحدات العسكرية.
    • السيطرة غير الكاملة على مراكز الإعلام والاتصالات.
    • موقف الشعب الحاسم، وولاء قطاعات كبيرة من الشرطة والأجهزة الأمنية للشرعية.


ثالثًا: النتائج – كيف غيّر هذا الحدث تركيا والمنطقة؟

  • تحوّل جذري في علاقة الجيش بالحكم: تقليص نفوذ العسكر وتطهير المؤسسات.
  • توسيع قبضة النظام على أجهزة الدولة تحت شعار حماية الديمقراطية.
  • تأثير نفسي عميق في العالم العربي: لأول مرة يرى الشارع العربي انقلابًا يُهزم بالهتاف، لا بالسلاح.
  • رسالة إقليمية: أن تركيا لن تكون ساحة مفتوحة لانقلابات على غرار تجارب مصر أو سوريا أو السودان.


رابعًا: الرمزية – ما الذي مثّله فشل الانقلاب؟

  • انكسار سطوة الانقلابات العسكرية في وعي الشعوب.
  • صعود فكرة السيادة الشعبية حتى وإن كانت مضادة لمزاج "النخبة".
  • إرباك في مراكز القرار الغربية التي اعتادت على تغيير الأنظمة عبر "أدوات داخلية".
  • كسر "تابو" الخوف: لم يعد الانقلاب قدرًا محتومًا، بل سيناريو يمكن إسقاطه.


خامسًا: من كسب؟ من خسر؟

  • كسبت تركيا الرسمية أوراق قوة غير مسبوقة داخليًا وخارجيًا.
  • خسرت المؤسسات العسكرية هيبتها كـ"حَكم سياسي" فوق المجتمع.
  • كسبت الشعوب درسًا ملهمًا في إمكان قلب الطاولة على صُنّاعها.
  • خسرت قوى إقليمية كانت تراهن على إسقاط النموذج التركي ولو عبر العنف.


سادسًا: سؤال المرحلة – هل انتهى زمن الانقلابات؟

ليس بعد. لكن ميزان الخوف بدأ يميل لصالح الشعوب. تركيا 2016 كانت صفعة مدوية لمشروع "الردّة السياسية" في المنطقة، حين بدأت الثورات تنكفئ، والانقلابات تتقدم. لكنها أيضًا رسّخت درسًا مريرًا: أن الديمقراطية لا تكفي وحدها، بل لا بد من يقظة مستمرة تحميها من الداخل.

ففي النهاية، لم ينتصر السلاح... بل انتصر الوعي.

أحدث أقدم
🏠