
الوهابية والتحالف االديني السياسي:
في كل زمان يختار بعض العلماء أن يظلوا أمناء للضمير، أوفياء للنص، رافضين بيع الفتوى تحت ضغط البلاط. لكن الثمن كان باهظًا دائمًا.إنه مصير كل من رفض أن يكون أداة، وفضّل أن يكون صوتًا للحق حتى وإن تمزّق في الزنزانة أو صُلب على المنبر.
بين العزلة والسجن: ضريبة الاستقلال
أبرزت التجربة الوهابية في تحالفها مع السلطة نمطين من العلماء:
- علماء الداخل: الذين قبلوا اللعب داخل حدود القصر، وتكييف الفتوى حسب التوجهات الرسمية.
- وعلماء الخارج: الذين حافظوا على استقلالهم، فتمّ تهميشهم، إسكاتهم، أو تلفيق التهم لهم.
في زمننا القريب، رأينا رموزًا كبيرة، كانت تُعد من كبار علماء المذهب، لكنهم حين رفضوا سياسات التطبيع أو الاستبداد، اختفوا من المشهد، أو سُجنوا باسم الأمن الفكري.
حين يصبح السكوت هو النجاة
ليس جميع العلماء موظفين، لكن كثيرًا من الأحرار آثروا الصمت حين لم يُؤذن لهم بالكلام.
فصار خيار "السلامة" هو القاعدة، والجرأة استثناء.
وهكذا اختلّ ميزان الوعي العام:
- يُسمع صوت الخضوع والتمجيد
- ويُقمع صوت النقد والاعتراض
والنتيجة: تقديس الواقع لا تقويمه.
الإعلام الرسمي: تصفية معنوية للأحرار
لم يعد يكفي سجن العلماء الأحرار، بل تمّ تشويههم إعلاميًا:
- يُوصفون بالتطرف أو الخروج عن الجماعة
- يُصنَّفون كمفسدين أو مثيرين للفتن
- تُنسى أسماؤهم ويُمحى أثرهم من المنابر والمنصات
والسبب؟ لأنهم رفضوا أن يُكيّفوا النص وفق أهواء البلاط.
عواقب تغييب العلماء المستقلين
إن تغييب العلماء الأحرار لا يعني تغييب الدين، بل تفريغه من مضمونه:
- يتحول الدين إلى شعائر دون قيم
- وتُختزل الشريعة في طاعة الحاكم فقط
- وتُغلق أبواب الاجتهاد أمام أسئلة الواقع الصعبة
بل ويتحول الغلو إلى رد فعل على التديّن الممسوخ، فيغيب التوازن وتُولد الفتن.
نحو صوت حرّ لا يُستأذن
الفتوى لا تُؤخذ من السلطة، والحق لا يُؤذن له بالكلام.
إن إعادة الاعتبار لعلماء الاستقلال، ورفض تصنيفهم كخصوم، هو خطوة لإحياء دور الدين كضمير حي، لا كختم على قرارات الساسة.