الوهابية: حين تحوّلت العقيدة إلى شعار أمني.. الإسلام كهوية مراقبة لا كرسالة تحرر

الوهابية والتحالف االديني السياسي: 
في لحظة ما من التاريخ، لم يعد يُنظر إلى الإسلام في بعض الدول بوصفه رسالة خلاص ومشروع تحرر إنساني، بل صار يُعامل كهوية أمنية يجب ضبطها، ومراقبة حدودها، وتحديد المقبول منها والمرفوض، بل ومعاقبة من "يتجاوز" الخطوط المرسومة. هنا لا يكون الدين عقيدة تُحرّك الإنسان نحو الارتقاء، بل يصبح بطاقة تعريف تُستخدم لمراقبته وضبطه وتحديد موقعه من السلطة.
فكيف حدث هذا التحوّل؟ ولماذا لم يعد يُحتفى بالروح الإسلامية التحررية، بل تم تقييدها داخل منظومات الولاء السياسي؟


أولًا: من العقيدة إلى الرقابة

بدأ التحوّل تدريجيًا حين تماهى الخطاب الديني مع خطاب الدولة، وبدل أن يكون الدين حافزًا على مقاومة الظلم وإصلاح النظام، صار أداةً لتبرير الأمر الواقع. وباسم العقيدة، أُسكتت الأصوات، وشُيطن النقد، وتحوّلت الهوية الإسلامية إلى مفهوم وظيفي، مرتبط بالانضباط والطاعة والامتثال، لا بالموقف الأخلاقي أو القيمي.

في هذا الإطار، صار التدين الصادق مريبًا، إلا إذا كان مطابقًا للنمط الرسمي. وتحول الحديث عن الشريعة أو الخلافة أو تحرير الأمة إلى "علامات تطرف"، بينما باتت مظاهر الولاء للحاكم والنظام مقدّمة على أي معيار ديني أصيل.

ثانيًا: الدين كهوية أمنية

لم يعد يُسأل المواطن: هل تصلّي أو تصوم؟ بل: ما نوع تدينك؟ هل تلتزم بنسختنا المعتمدة أم لديك اجتهادات؟ بل صار مجرد الحديث في السياسة بلغة دينية، حتى لو كان إصلاحيًا أو أخلاقيًا، سببًا في الاتهام والتجريم.

وهكذا وُضعت الرقابة على الهوية، لا على الفعل فقط. وصار مطلوبًا من المسلم أن يُثبت أنه ليس "إسلاميًا"، بمعنى أنه لا يحمل مشروعًا تغييريًا، بل هو مسلم بالحدّ الذي تسمح به السلطة.

ثالثًا: السياق العالمي والشرعنة المحلية

جاء هذا التحوّل في سياق عالمي ما بعد 11 سبتمبر، حين أصبح الإسلام مرادفًا للخطر في الإعلام الغربي، وتلقفته بعض الأنظمة كفرصة لتقييد الحركات الإسلامية المحلية، بذريعة "محاربة الإرهاب". فتمت إعادة تعريف العقيدة، لا باعتبارها طريقًا للنهضة، بل كاحتمال دائم للانحراف، يجب ضبطه أمنيًا لا حوارًا أو فهمًا.

هنا ظهرت "الوهابية المُعدّلة" كنسخة آمنة مطابقة للمواصفات الغربية، تُدين العنف ولكنها تُبرر الاستبداد، ترفع شعار الطاعة وتُسكت فقه الاعتراض، تُجيد تكفير الآخر ولكنها تعجز عن نقد الظالم.

رابعًا: النتيجة... مجتمع خائف من التدين 

في ظل هذا المناخ، نشأت أجيال تخاف من الجهر بدينها، ليس لأنها مفرطة، بل لأنها تخشى أن تُساء فهمها. وتحولت المساجد من منابر وعي إلى ساحات رقابة، وتحول الحديث عن الإسلام من خطاب تحرري إلى موضوع حساس. هكذا، وبدل أن يكون الدين أداة لتحرير الإنسان من الخوف، صار هو نفسه سببًا في تكبيله داخليًا.

لقد اختُزل الإسلام في هوية تُعرّفك أمنيًا لا إنسانيًا، وصار السؤال المهيمن: هل أنت تحت السيطرة؟ لا: هل أنت صادق الإيمان ونافع للناس؟

خاتمة: تحرير العقيدة من "شعار الطاعة"

ليس الخطر في تدين الشعوب، بل في تسييس هذا التدين وتفريغه من روحه التحررية. وإذا أردنا استعادة الإسلام كرسالة حياة، فعلينا أولًا أن نحرره من قوالب الرقابة الرسمية، ومن تحويله إلى هوية أمنية تُصنّف الناس وتُخضعهم، بدل أن تحفزهم للسير نحو الكمال.

فالإسلام الذي أنزل لتحرير الإنسان لا يمكن أن يُختزل في شعارات تُستخدم لترويضه.


أحدث أقدم
🏠