دولة تحت المجهر: تونس – بين الثورة المتعثرة ونذر الانهيار السياسي والاقتصادي

تونس، الدولة التي انطلقت منها شرارة الربيع العربي، تواجه اليوم مأزقًا معقدًا بين أزمة سياسية عميقة واقتصاد متدهور، وسط غياب رؤية واضحة لمستقبل يضمن الاستقرار والديمقراطية. الصراعات الداخلية تبتلع الحلم الثوري، والمجتمع يعاني من توترات متصاعدة بين أمل التغيير واستسلام الواقع.

1. بنية النظام ومصادر السلطة
النظام التونسي يمر بتحول حاد نحو مركزية السلطة في يد الرئيس، بعد إلغاء البرلمان وتجميد دستور 2014، مما أدى إلى تحوّل السلطة إلى نظام رئاسي شبه مطلق. ضعف المؤسسات التشريعية والقضائية يعزز هيمنة الرئيس وحلفائه، ويُبعد الفاعلين السياسيين الآخرين، ما يزيد من أزمة الشرعية السياسية.

2. المشكلات الحالية (الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، المسكوت عنها)
الاقتصاد يعاني من ركود حاد وارتفاع معدلات البطالة، خصوصًا بين الشباب والخريجين، وتراجع قيمة الدينار. الفساد متفشٍ، وخدمات الدولة متدهورة. سياسيًا، الأزمة مستمرة مع قمع المعارضة وتضييق الحريات، والمجتمع يشهد انقسامات حادة. المسكوت عنه هو عدم شفافية إدارة الأزمة المالية والسياسية، مع توسع مظاهر الاحتقان الاجتماعي.

3. الدور الجيوسياسي والوظيفي للدولة
تونس تحاول الحفاظ على توازن دبلوماسي بين القوى الإقليمية والدولية، لكنها فقدت الكثير من نفوذها الإقليمي بعد التدهور الداخلي. لا تزال محط اهتمام دول غربية تسعى للاستقرار في شمال إفريقيا، لكنها تواجه قيودًا في القدرة على التأثير داخل الدولة، التي تعاني من عزلة داخلية وخارجية.

4. الاقتصاد الحقيقي للدولة
الاقتصاد التونسي يعتمد على قطاعات ضعيفة الإنتاجية، مع تراجع كبير في الصناعات التقليدية والسياحة. النظام المالي منهك، مع تزايد الديون ونقص الاستثمارات. الاقتصاد الموازي واسع الانتشار، ويعاني السكان من غلاء المعيشة وتراجع الخدمات الأساسية.

5. الإعلام والخطاب مقابل الواقع
الإعلام الرسمي يخضع لضغوط قوية، مع رقابة على وسائل الإعلام المستقلة والنشطاء. الخطاب السياسي يركز على تأييد النظام الجديد، متجاهلاً الاحتجاجات الشعبية والانتقادات، مما يزيد من فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع.

6. حالة المجتمع: بين الغضب والاستكانة
المجتمع التونسي منقسم، بين من يؤيد النظام الجديد كخيار للاستقرار، وبين من يرفضه ويطالب بالعودة إلى الديمقراطية. الغضب الشعبي متصاعد، مع تكرار الاحتجاجات والاحتقان الاجتماعي، بينما يعاني الشباب من الإحباط وقلة الفرص، ما يولد استكانة متزايدة في صفوف البعض.

7. سيناريوهات المستقبل
إمكانية استمرار التدهور السياسي والاقتصادي مع تفاقم الاحتجاجات. احتمال فرض نظام أكثر تشددًا وأقل ديمقراطية، أو عودة إلى مسار تفاوضي بين القوى السياسية لتحقيق استقرار محدود. السيناريو المفتوح لا يبدو مبشراً، مع غياب خارطة طريق واضحة للخروج من الأزمة.

8. خاتمة تحليلية
تونس تواجه اختبارًا مصيريًا في الحفاظ على ما تبقى من مؤسساتها الديمقراطية، وسط تحديات معقدة تتطلب إرادة سياسية حقيقية وإصلاحات اقتصادية عاجلة. الفشل في التعامل مع الأزمات قد يؤدي إلى مزيد من الانهيار الاجتماعي والسياسي، يُبعد الحلم التونسي عن الواقع.

سلسلة: دولة تحت المجهر

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.