الضفادع الناعقة: كيف يتحوّل الضجيج إلى أداة قمع للفكر

في كل ساحة فكرية مفتوحة، لا تُقاس قوة الفكرة بصفائها،

بل غالبًا بما يُحيط بها من صخب.
وهنا يظهر دور "الضفادع الناعقة" كنموذج رمزي
لأولئك الذين لا يملكون رؤية،
لكنهم يمتلكون ما يكفي من الضجيج لعرقلة الرؤية عند غيرهم.

من النقيق إلى السلطة الرمزية

الضفادع الناعقة لا تقدم أطروحات،
ولا تطرح إشكالات حقيقية،
لكنها تحتل الفضاء العام عبر الإلحاح الصوتي والتكرار الاستهلاكي.
تبدو كأنها "تمارس حرية الرأي"،
بينما هي في الواقع تمارس احتلالًا سمعيًّا للفكر العام.

الكمية بدل النوعية: المعركة التي تخسر فيها الجودة

في مشهد تهيمن عليه الكثافة،
تتحول الفكرة العميقة إلى نقطة باهتة في بحر الضجيج.
فالنقاش لا يُربَك بالحجج، بل يُغرق بموجات متلاحقة من الكلام غير المُجدي،
حتى يفقد الجمهور القدرة على التمييز بين التحليل والنعيق.

التضليل عبر الإغراق

ليست وظيفة هذه الضفادع تزوير الحقائق،
بل تجريف البيئة الذهنية،
بحيث لا يبقى مكان للحقيقة لتُسمع أو تُصاغ أصلًا.
والمفارقة أن هذا يتم باسم المشاركة والانفتاح،
بينما هو في الحقيقة نظامٌ صامت لخنق الفكر الجاد.

الإعلام الجديد: البيئة المثالية للضفادع

المنصات الرقمية، بمنطقها القائم على التفاعل اللحظي والانتشار،
توفر للضفادع الناعقة بيئة مثالية:
فكلما كان الصوت أسرع، والتعليق أسطح، والمحتوى أقصر،
كان أوفر حظًّا بالوصول.

وبذلك، لا تنتصر الأفكار... بل تنتصر الضوضاء.

مناعة ضد التفكير

أخطر ما تفعله الضفادع الناعقة أنها لا تُقنع،
بل تُطبع آذان الجمهور على ألا يحتملوا التفكير أصلًا.
فتصبح الساحات مشغولة بما يُقال،
لا بما ينبغي أن يُفكَّر فيه.

الضجيج كتكتيك سلطوي غير رسمي

رغم أن الضفادع لا ترتبط مباشرة بالسلطة،
إلا أن وظيفتها تخدم النظام القائم:
فهي تشتت، تُرهق، وتستهلك الانتباه،
وتُعطّل أي محاولة لبناء وعي جماعي مستقل.

خاتمة: عندما يصبح الصمت أداة مقاومة

في وجه هذا الضجيج المنظم،
قد لا تكون المقاومة بإضافة صوت جديد،
بل بخلق مساحة نظيفة من التشويش،
تُعيد الاعتبار للصمت كشرط ضروري لولادة الفكرة.

فليست كل الأصوات تدل على الحيوية،
بعضها مجرد نعيق يُغطي على التحلل.

أحدث أقدم
🏠