
خلفية تاريخية: الثورة التي قلبت التوازن
شهدت كوبا في عام 1959 ثورة بقيادة فيديل كاسترو ورفاقه، أطاحت بنظام باتيستا المدعوم أمريكيًا. لم تكن المسألة مجرّد انتقال سلطة، بل انقلاب جذري على بنية النفوذ الأمريكي في أميركا اللاتينية. فمنذ مطلع القرن العشرين، كانت كوبا تُدار فعليًا ضمن مناطق النفوذ الأمريكي، وكانت الشركات الأمريكية تسيطر على اقتصادها، وقواعدها العسكرية راسخة على أرضها.
الدوافع الأمريكية للتدخل
بعد انتصار الثورة، سعت الولايات المتحدة إلى احتواء النموذج الكوبي ومنع انتشاره. وكان الدافع السياسي والإيديولوجي واضحًا: الحيلولة دون تكوّن مركز ثوري قريب من حدودها الجغرافية. أما اقتصاديًا، فقد خسرت واشنطن نفوذًا واسعًا ومصالح استثمارية ضخمة في الجزيرة. كما رأت في كوبا تهديدًا إستراتيجيًا، خصوصًا بعد تحالفها مع الاتحاد السوفيتي.
أشكال التدخل: من الحصار إلى الغزو إلى الاغتيالات
لم تكتف واشنطن بفرض حصار اقتصادي خانق على كوبا منذ أوائل الستينيات، بل شنّت عمليات سرية وأخرى مباشرة أبرزها:
- غزو خليج الخنازير (1961): محاولة إنزال مسلح فاشلة لمرتزقة كوبيين درّبتهم المخابرات الأمريكية بهدف إسقاط النظام.
- أزمة الصواريخ (1962): ذروة الصراع الكوبي-الأمريكي حين نصبت موسكو صواريخ نووية في كوبا ردًا على الحصار.
- عمليات اغتيال: عشرات المحاولات الموثقة لاغتيال كاسترو، بعضها وصل حد العبث مثل السيجار المتفجر، أو السمّ على لحية الزعيم.
النتائج والتحولات
رغم الفشل العسكري والاستخباراتي، تمكّنت الولايات المتحدة من عزل كوبا نسبيًا، وحرمتها من الانفتاح الاقتصادي، خصوصًا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. لكن في المقابل:
- تحوّلت كوبا إلى رمز عالمي للمقاومة والكرامة الوطنية.
- شكّلت مثالًا ملهمًا لحركات التحرر في أمريكا اللاتينية وأفريقيا.
- دفعت واشنطن إلى مراجعة سياساتها الخارجية، كما حدث في عهد أوباما حين خفف بعض العقوبات.
هل فشلت واشنطن في تركيع كوبا؟
السؤال الأهم ليس إن كانت كوبا "انتصرت"، بل لماذا أخفقت أمريكا في إخضاعها رغم كل ما تملك من أدوات؟ الجواب يتجاوز كوبا، ويمسّ بنية المشروع الأمريكي نفسه: لا يمكن للهيمنة أن تقبل باستقلال حقيقي لأي كيان صغير إذا تجرّأ على أن يكون نِدًّا، ولو رمزيًا.