ملاذ جديد للقصف - كيف تُستخدم مؤسسات المنح والمساعدات لتكريس العدوان؟

الحلقة الثانية: المساعدات كغطاء للقتل

استهداف الجوع وتسييس القصف

في الحروب التقليدية، يُوجَّه القصف نحو المقاتلين. أما في الحروب الحديثة، فتتحوّل بطون الأطفال إلى أهداف استراتيجية، وتصبح طوابير الجائعين مسرحًا لعرض القوة. الحرب على غزة كشفت أقسى أشكال هذا الانقلاب: حين يصبح "توصيل المساعدات" عنوانًا لشرعنة القتل، وتُوظّف الإنسانية كغطاء ناعم لآلة الحصار.

الفصل الأول: مؤسسات مدعومة دوليًا... لكنها جزء من آلة القصف

في خضم العدوان على غزة، ظهرت مؤسسات إنسانية ممولة من دول فاعلة في الحرب، وقد استُبدلت في كثير من الأحيان بالمؤسسات المستقلة التابعة للأمم المتحدة. هذه المؤسسات، بدل أن تكون جزءًا من الحل، تحوّلت إلى أذرع ميدانية تنسق مع الاحتلال تحت شعار "الإغاثة"، فيما يُقتل المدنيون في محطات توزيع الغذاء التي تُوصف في تقارير حقوقية بأنها "فخاخ مميتة".

المبدأ الإنساني الأساسي – الحيادية – سقط هنا مرتين: مرة بالتمويل، ومرة بالتنفيذ. والنتيجة أن المساعدات لم تعد عملًا إنسانيًا، بل أداءً ميدانيًا في حرب لا تعترف بمدني.

الفصل الثاني: المساعدات السياسية كسلاح ضد الفلسطينيين

المجازر في غزة لم تؤدِّ فقط إلى انقطاع المساعدات، بل إلى إعادة تعريفها. أصبحت المساعدات جزءًا من المعركة، غطاءً لتمرير القصف، وأداة ضغط تُستخدم لتلميع صورة الفاعلين في الجريمة.

بفعل الحصار والمجاعة، أصبح السكان رهائن لهذه المنظومة، في انتظار طرد غذائي قد يُعلن عنه كـ"لفتة إنسانية"، بينما هو في الواقع ترخيص مؤقت بالبقاء. إنها معادلة قاسية: كل لقمة تمنحها "الجهة القاتلة"، تُستبدل بشرعية إضافية لاستمرار الحرب.

الفصل الثالث: فورمات إنسانية يُمسك بها القاتل

الردع هنا لا يأتي من المحاكم ولا من تقارير الإدانة، بل من لحظة إعلان "مبادرة إنسانية". حين تطلق جهة مشاركة في الحرب مبادرة مساعدات، يتحوّل العالم إلى متفرج صامت، ويغيب السؤال الأهم: من يملك الحق في الإغاثة؟ ومن يحدد شكلها ومسارها؟

غالبًا ما تُمنع المنظمات المستقلة من العمل بحرية، ويُستعاض عنها بمؤسسات تعمل ضمن الإطار السياسي للاحتلال، ما يفقد العمل الإنساني كل قيمته، ويحوّله إلى أداة ترميم لصورة القاتل لا أكثر.

الفصل الرابع: نقد مقيّد ومراجعة غائبة

حتى المنظمات الحقوقية الكبرى لا تتجاوز في نقدها إدارة المساعدات، دون أن تذهب بعيدًا في إدانة القتل أو المطالبة بإعادة المؤسسات الحقيقية إلى غزة. كل شيء يُختزل في مستوى الخطاب، بينما تبقى الأرض خاضعة للواقع العسكري والسياسي المفروض.

بعض الأصوات، مثل موقف جنوب إفريقيا أمام المحكمة الدولية، حاولت كسر الصمت، لكن تأثيرها بقي رمزيًا. العالم يتعامل مع المذبحة عبر أدوات الإغاثة، وكأنها حدث إنساني معزول لا يستدعي مساءلة الجناة.

القصف كإدارة للجوع

في المراحل المتقدمة من الحرب، لم يعد القصف لتفكيك "البنية التحتية للمقاومة"، بل أصبح وسيلة لإعادة رسم الحياة اليومية. يُقصف المخبز، وتُستهدف سيارات الإغاثة، وتُحول أماكن توزيع الغذاء إلى ساحات قنص. هكذا تتحوّل خريطة الطعام إلى خريطة سياسية، تُدار فيها الحياة بالبقاء لا بالكرامة.

المساعدات: تحكم لا رحمة

رغم كل الشعارات عن "جسور المساعدات"، فإنها غالبًا لا تصل، وإن وصلت فهي مشروطة، رمزية، وتُستخدم لامتصاص الغضب لا لحماية الحياة. المعونة تُختزل في الصور، بينما يموت الناس في الطوابير.

الجوع كسلاح سياسي

السؤال المحظور: لماذا لا تُفتح المعابر للمساعدات بشكل حر؟
الجواب: لأن السيادة على الغذاء أصبحت أداة سياسية. يتم التحكّم في دخول الغذاء وفق ميزان الصوت والصمت، فيُكافأ "الهدوء" ويُعاقب "الاحتجاج". وهكذا تُدار حياة الفلسطيني عبر تجويع مدروس، يُقرَّر في مكاتب خارجية لا علاقة لها بحقوق الإنسان.

حين تسقط المساعدات من نفس الطائرة التي تقصف

بعض المساعدات تسقط من طائرات تعود للتحالف ذاته الذي يسلّح القاتل. يُقدّم البسكويت في علب أنيقة من الجو، بعد دقائق من قصف عمارة سكنية على رؤوس ساكنيها. هذا هو جوهر الأزمة: المساعدات لم تعد كسرًا للحصار، بل إعادة إنتاج له بمظهر جديد.

نهاية الخط: المعونة بوصفها حصارًا

بدل أن تكسر المساعدات الجوع، أصبحت أدوات لإدارته. لم يعد الهدف إنقاذ الناس، بل إبقاؤهم أحياء بالكاد، دون قدرة على النهوض. إنها حالة بقاء لا حياة. وهكذا تتحوّل الإنسانية إلى سلاح ناعم، وتصبح الرحمة أداة تأبيد للمجزرة.

خاتمة

أن الردع الناعم لا يمر فقط عبر المؤسسات القضائية، بل أيضًا عبر أدوات "المساعدة" التي أُفرغت من معناها. حين تُسيطر جهات مشكوك في حيادها على الميدان الإنساني، فإن القتل يصبح قانونيًا، وتُعرض المجازر كأحداث مؤسفة بلا فاعل.

السؤال الحقيقي إذًا: هل يمكن أن يُوزّع الخبز من يدٍ شاركت في حصاره؟
أم أن المساعدة تحوّلت إلى سلاح ناعم لاستكمال الإبادة تحت شعارات الرحمة؟

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡