الحلقة الثالثة:
في خضمّ الدمار الشامل الذي حلّ بغزة، يتكرّر مجددًا الخطاب الإسرائيلي المدعوم غربيًا حول "ضرورة نزع سلاح حماس". وهو خطاب لم يظهر فجأة بعد الحرب الأخيرة، بل يُعاد تدويره كل مرة عقب تصعيد دموي، كأن المجازر لا تُرتكب إلا كـ"مرحلة تمهيدية" لهذا المشروع المعلن. لكن هل نزع سلاح حماس هدف واقعي؟ أم مجرد وهم جديد ضمن سلسلة من الأوهام الاستعمارية المتجددة؟
من التنسيق الأمني إلى الاستبدال القسري
تحاول إسرائيل ترويج فكرة أنها لا تحارب الفلسطينيين كشعب، بل فقط "حماس" كسلاح. لكن جوهر هذه الخطة يتجاوز الحركة بكثير، إذ يُعاد طرح ما عُرف سابقًا بـ"خطة دايتون" المحدثة، والتي تقوم على فرض نظام أمني فلسطيني محلي يقوم بـ"حفظ النظام" ضمن شروط الاحتلال. أي إعادة إنتاج نموذج الضفة الغربية في غزة، من خلال سلطة خاضعة تُمنَع من المقاومة وتُشجّع على ضبط الداخل بما يخدم استقرار الاحتلال.
المقاومة ليست مجرد سلاح
تفترض الرواية الغربية أن نزع سلاح حماس سيؤدي إلى "سلام". لكنها تتجاهل أن سلاح المقاومة ليس وليد نزوة أيديولوجية، بل جاء نتيجة احتلال متواصل، وحصار مطبق، وفشل كل مسارات التسوية. فالضغط من أجل نزع السلاح دون معالجة جذور الصراع، لا يُفضي إلى السلام، بل إلى استسلام قسري يُقابله انفجار آخر.
عجز عسكري يُعوضه خطاب سياسي
رغم امتلاك إسرائيل تفوقًا ناريًا هائلًا، إلا أنها فشلت في تصفية حماس عسكريًا. لم تتمكن من اقتحام القطاع بريًا بشكل شامل، ولم تحسم المعركة رغم مئات آلاف القذائف. لهذا، انتقلت الحملة إلى بعد آخر: عبر تسويق فكرة "ما بعد النصر" – أي تفكيك البنية العسكرية للمقاومة كشرط لإعادة الإعمار وعودة الحياة الطبيعية. إنها محاولة لإنتاج وهم السيطرة عبر أدوات سياسية وأمنية بديلة بعدما أخفقت الآلة العسكرية.
التطبيع مقابل نزع السلاح؟
في الكواليس، يجري التلميح إلى أن إعادة تأهيل غزة مشروطة بأمرين: ضبط المقاومة، وإعادة إدماج السلطة الفلسطينية بدعم عربي وإسرائيلي وغربي مشترك. وهو ما يُطرح ضمن خطة شاملة تعيد إحياء مسار التطبيع مع بعض الدول العربية، على قاعدة "إعمار مقابل أمن". وهذا يعكس بوضوح كيف يجري توظيف مأساة غزة كورقة ضغط لتحقيق هندسة سياسية إقليمية جديدة.
خاتمة: من يحق له نزع السلاح؟
السؤال الحقيقي ليس: "هل ستنجح إسرائيل في نزع سلاح حماس؟" بل: "من يملك أصلًا الشرعية الأخلاقية للمطالبة بذلك؟". فالحديث عن "نزع السلاح" وسط مشهد من الجثث والركام والدمار، ليس سوى خطاب استعماري يتجاهل السياق، ويسعى لفرض واقع جديد بالقوة. والمقاومة، بكونها فعلًا نابعًا من واقع القهر، لا يمكن ببساطة إلغاؤها بقرار سياسي خارجي أو رغبة في "تهدئة مسلّحة".