دولة تحت المجهر: الكويت – ديمقراطية الريع تحت الضغط

تُقدّم الكويت نفسها كواحة ديمقراطية في الخليج، ببرلمان حقيقي وحرية نسبية، لكنها تظل رهينة اقتصاد ريعي هش، ونظام سلطوي يحدّ من الفعل الشعبي. بين الاستقرار الظاهري وصراعات الداخل، تتكشف هشاشة نموذج يُراهن على النفط بينما تزداد الأزمة السياسية والاجتماعية.

1. بنية النظام ومصادر السلطة

الكويت دولة ملكية دستورية، حيث يمتلك الأمير صلاحيات واسعة، لكن هناك مجلس أمة منتخب يُعتبر من أكثر البرلمانات نشاطًا في الخليج.
ومع ذلك، فإن السلطة الفعلية تُوزّع بين العائلة الحاكمة والنخبة السياسية التقليدية، التي تتحكم بآليات الاقتصاد والسلطة التنفيذية.
النظام يعاني من ازدواجية بين المظاهر الديمقراطية والتدخل السلطوي، خاصة عبر السيطرة الأمنية على الحياة السياسية وقيود دستورية تُحد من تأثير البرلمان.

2. المشكلات الحالية (الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، المسكوت عنها)

اقتصاديًا، الكويت تعتمد بشكل رئيسي على النفط الذي يشكل أكثر من 90% من إيراداتها، مما يجعلها عرضة لتقلبات السوق العالمية.
الموازنة تواجه ضغوطًا بسبب تراجع الأسعار العالمية، مع تزايد الإنفاق العام، مما يهدد استدامة الريع.
سياسيًا، هناك توترات مستمرة بين البرلمان والحكومة، وتصاعد في الصراعات داخل النخبة، بينما تُقيد المعارضة الشعبية بقرارات أمنية.
المجتمع يواجه تحديات في التوظيف، خصوصًا للشباب، وانتشار ظواهر اجتماعية مثل ارتفاع نسب البطالة بين الخريجين.
المسكوت عنه يشمل:

  • هشاشة القطاعات غير النفطية وعدم تنويع الاقتصاد.
  • ضعف دور المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية.
  • تأثير النفوذ الخارجي على السياسة الداخلية.

3. الدور الجيوسياسي والوظيفي للدولة

الكويت لاعب إقليمي معتدل، يعتمد على سياسة توازن بين القوى الكبرى، ويدير علاقاته بحذر دبلوماسي.
وظيفتها الإقليمية تتركز على الوساطة والدور الإنساني، مع الحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة والخليج.
لكن دورها محدود بحجم الدولة وضعف القاعدة الاقتصادية، مما يجعلها تعتمد على التحالفات للحفاظ على أمنها واستقرارها.

4. الاقتصاد الحقيقي للدولة

الاقتصاد الكويتي ريعي بشكل مطلق، مع محدودية القطاعات المنتجة، واعتماد شبه كامل على إيرادات النفط والغاز.
القطاع الخاص محدود، ويهيمن عليه أبناء العائلات الحاكمة والنخبة.
محاولات التنويع تواجه صعوبات بسبب بيئة استثمار غير مشجعة، والبيروقراطية المتجذرة، والفساد المستتر.
الاقتصاد لا يولّد فرص عمل حقيقية للشباب، ما يؤدي إلى بطالة مقنعة.

5. الإعلام والخطاب مقابل الواقع

الإعلام الكويتي يُظهر نفسه كواحد من الأكثر حرية في المنطقة، لكن هناك رقابة غير معلنة وضغوط أمنية تحد من الحريات.
الخطاب الرسمي يميل إلى الترويج لاستقرار الدولة ونموها، متجاهلاً التوترات السياسية والاجتماعية الحقيقية.
المواطن يواجه فجوة بين حرية ظاهرية ورقابة ضمنية، حيث يخشى التعبير عن آرائه بحرية كاملة.

6. حالة المجتمع: بين التطلعات والقيود

الشباب الكويتي يعبر عن رغبة واضحة في التغيير، لكن يقابله نظام محافظ يحاول ضبط الحراك.
الطبقة الوسطى تعاني من تراجع فرص العمل، والاحتجاجات الاجتماعية تُقمع أو تُقيد، مما يخلق حالة من الاستكانة السياسية مع غضب مكتوم.
الهوية الوطنية مرتبطة بشدة بالملكية، لكن هناك تساؤلات حول مدى قدرة النظام على التكيف مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية.

7. سيناريوهات المستقبل

  • استمرار الوضع الحالي مع بعض الإصلاحات الشكلية، دون تغيير جذري.
  • أزمة اقتصادية تؤدي إلى تفاقم الاحتجاجات الشعبية، مع تصعيد مواجهة بين البرلمان والحكومة.
  • تحولات داخلية قد تنجم عن ضغوط اجتماعية واقتصادية، تدفع نحو حراك أوسع.

8. خاتمة تحليلية

الكويت تقدم نموذجًا ديمقراطيًا محدودًا في الخليج، لكنه يتعرض لضغوط هائلة من هشاشة الاقتصاد الريعي وصراعات النخبة.
القدرة على الصمود تعتمد على مدى نجاحها في تحديث بنيتها السياسية والاقتصادية، وفتح المجال للحريات الحقيقية.
إلا أن التوازن بين الملكية والديمقراطية ما يزال هشًا، والأفق السياسي ضيق.

سلسلة: دولة تحت المجهر

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.