
الدين كغطاء لبعث العِرق
أُسست حركة "أمة الإسلام" في ثلاثينيات القرن الماضي على يد والاس فارد Muhammad، في فترة كانت أمريكا فيها غارقة في الفصل العنصري. لم يكن الهدف نشر الإسلام بمعناه العقائدي، بل استخدامه كمنصة لإعادة الاعتبار للعرق الأسود، في مقابل الهيمنة البيضاء. اتخذت الحركة من الإسلام هويةً سياسية لا إيمانية، فأعادت رسم ملامح النبي والرب والشيطان بلون البشرة، لتُحوّل الدين إلى مشروع استرداد كرامة عرقية.
إله أسود وشيطان أبيض
في عقيدة "أمة الإسلام"، لم يكن الله روحًا متعالية، بل رجلًا أسودَ فانيًا يُجسَّد على الأرض. والشيطان؟ هو الرجل الأبيض، تاريخًا وواقعًا. هكذا خرجت الحركة عن كل مألوف ديني لتنتج سردية ثأرية، تعيد كتابة الوحي بلغة صراع عرقي، وتنسف مفاهيم الإسلام الجوهرية باسم إعادة بناء الإنسان الأسود. لم يكن التوحيد غاية، بل أداة. ولم يكن الغيب مقصدًا، بل غطاءً لبناء أمة جديدة داخل الأمة الأمريكية.
عقيدة الانفصال لا الإصلاح
رفضت "أمة الإسلام" الاندماج في المجتمع الأمريكي، ودعت بوضوح إلى الانفصال: أراضٍ مستقلة للسود، اقتصاد خاص، مدارس وجامعات موازية، بل وجيش منضبط مسلح بالعقيدة. لم تطالب بالمساواة، بل بالاستقلال التام. وهكذا تحوّل الدين إلى غطاء لبرنامج سياسي راديكالي، يرى في الآخر الأبيض شيطانًا لا شريكًا، وفي العزلة خلاصًا لا خطرًا. إنه انقلاب على كل المفاهيم الليبرالية التي رُوّجت لاحقًا عن "الحقوق المدنية".
من الإيمان إلى التنظيم
تميّزت الحركة بانضباط تنظيمي شديد: لباس موحّد، نظام داخلي صارم، مؤسسات اقتصادية متكاملة، وحتى أجهزة إعلامية خاصّة. لقد بنَت "أمة الإسلام" ما يشبه الدولة داخل الدولة، وربّت أتباعها على الطاعة والولاء التام. وهنا يتحوّل الدين من تجربة روحية إلى أداة ضبط جماعي، حيث تُحاصر الحرية باسم الانتماء، ويُقمع السؤال باسم الجماعة، وتُخنق الذات باسم النقاء العرقي والديني.
التقاطع مع السلطة… ثم الانقسام
بعد اغتيال مالكوم إكس، أحد أبرز رموز الحركة، انكشفت الخلافات العميقة داخل التنظيم، وتفجّرت التناقضات بين من أرادوا إعادة الحركة إلى روحانية الإسلام، ومن تمسّكوا بالرؤية العنصرية المغلقة. في العقود التالية، تلاعبت الدولة بالحركة، بين الاحتواء أحيانًا، والتوظيف أحيانًا أخرى. لقد أصبحت "أمة الإسلام" ميدانًا لصراع متعدد الأبعاد: ديني، وعرقي، وأمني.
الخاتمة:
"أمة الإسلام" لم تكن دينًا بالمفهوم التقليدي، بل مشروعًا سياسيًا مغلّفًا بغطاء ديني، نشأ كردّ فعل على عنصرية بنيوية، لكنه استنسخ أدوات التمييز باسم الهوية السوداء. لقد أرادت الحركة أن تُعيد كرامة السود، لكنها فعلت ذلك عبر تحويل الدين إلى حلبة صراع عرقي، لا منصة لتحرير الإنسان. وبهذا، تحوّلت من ثورة إلى قيدٍ جديد... باسم الإسلام، وضد روحه.
سلسلة: دين الوظيفة السياسية