العبث المنظم: ثقافة الأداء: حين يتحوّل الإنسان إلى آلة إنتاج مشاعر

 

لم يعد يُطلب منك أن تكون ذاتك، بل أن تؤدي دورًا.

لم يعد المهم ما تشعر به، بل كيف تعرضه.
صار التعبير عن المشاعر في العالم المعاصر… صناعة.

الذات المسرحية

في المنصات الرقمية، لا يُكافأ الصدق، بل الاحتراف في إظهار الصدق.
كل انفعال يجب أن يكون مؤثرًا، بصريًا، مثيرًا، موجّهًا للجمهور.

• الحزن يُخرج بنغمة معينة
• الفرح يُقدَّم بابتسامة مدروسة
• القلق يُبث على الهواء
• وحتى البكاء… أصبح مهارة.

وهكذا، ينشأ إنسان جديد:
إنسان لا يشعر، بل يمثل أنه يشعر.

الأداء بدلاً من الحضور

ما الفرق بين أن تحزن… وأن تؤدي الحزن؟
بين أن تتأمل… وأن تصور نفسك تتأمل؟
في ثقافة الأداء، لا معنى لأي لحظة، إن لم تُعرض.

تعيش اللحظة وتُفكر:
• كيف أظهرها؟
• من سيشاهدها؟
• ما الانطباع الذي ستتركه؟

وهكذا، تفقد اللحظة معناها، وتتحول إلى مادة ترويجية.

استغلال المشاعر

تطلب المنظومة من الفرد أن يكون دائم التفاعل، دائم العطاء، دائم التعبير…
لكن ليس من أجل نفسه، بل من أجل الجمهور.

• موظف يُطلب منه أن يكون "إيجابيًا"
• متحدث يجب أن يكون "ملهمًا"
• محتوى يجب أن يكون "عاطفيًا"
• حتى الألم… يجب أن يكون "جذابًا"

والنتيجة: إرهاق عاطفي مزمن.

تشييء الذات

حين يُختزل الإنسان في أدائه، يتحوّل إلى شيء.
يُستهلك، يُراقب، يُقاس، ويُحاسب… وفق جودة أدائه، لا جوهره.

يُصبح الفرد علامة تجارية، لا شخصًا.
مُنتَجًا قابلًا للتسويق، لا ذاتًا حقيقية قابلة للتعمّق.

خاتمة

في حضارة الأداء، لا يُمنح الإنسان وقتًا ليكون…
بل فقط ليُرضي، ويُبهر، ويعرض، ويُنتج شعورًا ما.

لكن الإنسان لا يُقاس بمدى تأثيره في الجمهور،
بل بمدى صدقه مع نفسه، في الظل، في الصمت، في الداخل.

الحرية ليست أن تؤدي مشاعرك ببراعة…
بل أن تعيشها دون خوفٍ من ألا تُعجب أحدًا.

سلسة: العبث المنظم.. نقد حضارة اللاجدوى

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡