العبث المنظم: الأنا المنتفخة: حين يصبح التقدير الذاتي سلعةً للترويج

في عالمٍ مهووسٍ بالظهور، لم يعد "مَن أنا؟" سؤالًا وجوديًّا،

بل شعارًا تسويقيًا.

نعيش في عصر يُفرَض فيه على الإنسان أن يحب نفسه بصوت عالٍ،
أن يُعلن عن ثقته، أن يُبرهن على أهميته،
لا بالصدق… بل بالعرض.

من احترام الذات إلى تسويق الذات

لقد أُفرغ مفهوم التقدير الذاتي من جوهره،
فلم يعد يعني المصالحة مع الذات، بل الترويج لها.
• كن واثقًا!
• أحبّ نفسك!
• أنت مميز!
عبارات تُكرَّر كتعويذات…
لكنها لا تخرج من التأمل، بل من الحملات الإعلانية.

في هذا المناخ، تتحوّل "الأنا" من تجربة داخلية،
إلى واجهة لامعة تُصمَّم بعناية.

عبادة الذات المنفصلة عن المعنى

ينشأ إنسان مُنتفخ الأنا، لكنه هشّ في العمق.
يحتاج دومًا إلى التصفيق، إلى الإعجاب، إلى التقدير من الخارج…
لأن الداخل صار فارغًا.

• يتحدّث عن إنجازاته كل لحظة
• يبالغ في وصف مشاعره
• يُضخّم معاناته لتبدو فريدة
• يطلب من العالم أن يعترف به… باستمرار

كل هذا ليس لأنّه واثق، بل لأنّه خائف من ألا يكون مرئيًّا.

المنصات كمسارح للنرجسية المقنّعة

في شبكات التواصل، تُمنح الأنا أدوات تضخيم غير مسبوقة:
• كل صورة هي إعلان وجود
• كل منشور هو طلب تصديق
• كل تفاعل هو تصويت على القيمة

لكن هذا التفاعل لا يثبت الحقيقة، بل يخلق وهمًا لحظيًا.
وهم يجعل الإنسان أسيرًا لـ"ردود الفعل"، بدل أن يكون حرًّا في جوهره.

التقدير الحقيقي لا يحتاج جمهورًا

الكرامة لا تُقاس بعدد المتابعين.
والسلام النفسي لا يُبنى على لايكات.
إنما على تصالح داخلي لا يحتاج لتبرير.

أن تحترم نفسك، لا يعني أن تُبهر الآخرين بها،
بل أن تسكنها بصدق، وتقبلها بنواقصها، دون مكياجٍ وجودي.

خاتمة

لقد علّمونا أن نُعبّر عن الذات، لكنهم لم يعلّمونا كيف نُصغي لها.
دفعونا إلى حبّ الذات، لكنهم شوّهوا معناها، وجعلوه إعلانًا لا شعورًا.

في زمن الأنا المنتفخة، يكون التحرر في أن تختار الصمت على العرض،
الصدق على الانبهار، العمق على التصفيق.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡