
1. المدخل الاستراتيجي: ما أهمية اليمن في العقل الأمريكي؟
تقع اليمن على ممر بحري استراتيجي هو باب المندب، أحد أهم معابر النفط والتجارة العالمية. وتجاور السعودية، الحليف الأبرز لواشنطن. كما تشكّل ساحة رخوة ومفتوحة يمكن اختبار أدوات السيطرة فيها دون تكاليف سياسية كبرى، خاصة بعد تراجع النفوذ الأمريكي في العراق وأفغانستان.
لهذا، لم تكن الولايات المتحدة في موقع المتفرّج، بل في موقع المصمّم الخلفي، سواء عبر دعم التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، أو من خلال تدخل استخباراتي مباشر في عمليات "مكافحة الإرهاب".
2. الاستخبارات الأمريكية: إدارة الحرب من الظل
منذ ما قبل الحرب، كانت الاستخبارات الأمريكية حاضرة في اليمن، بزعم تعقّب عناصر "القاعدة في جزيرة العرب". غير أن هذا الدور تضخّم بعد 2015 ليتحوّل إلى مشاركة لوجستية، ومراقبة عبر طائرات الدرون، وتحديد أهداف للغارات، بل وتنسيق أمني مع أطراف يمنية متنازعة.
برزت تقارير عديدة عن عمليات اغتيال بالطائرات المسيّرة طالت يمنيين دون محاكمات، بناء على "قوائم" أعدّتها السي آي إيه. كما شاركت فرق أمريكية خاصة في تدريب قوات محلية في جنوب اليمن.
3. الغطاء الإعلامي: كيف بُنيت شرعية التدخل؟
استُخدم خطاب "الحرب على الإرهاب" لتبرير التدخل، مع ربط جماعة الحوثي بإيران واعتبارهم خطرًا على استقرار المنطقة. وهكذا تم تسويق الحرب كخط دفاع متقدم ضد "التوسّع الإيراني"، ضمن سردية واسعة تخدم مشاريع التحالف الأمريكي الخليجي في المنطقة.
لكنّ التركيز الإعلامي على القاعدة والحوثيين غطّى على حقيقة التفتت اليمني، وغياب الدولة، وظهور كيانات متصارعة تخدم أجندات مختلفة، كثيرٌ منها مدعوم استخباراتيًا من قوى كبرى.
4. النتائج: من الرغبة بالسيطرة إلى الفوضى المعمّمة
لم تنجح الولايات المتحدة في تحقيق استقرار حليفها السعودي، ولا في القضاء على "الإرهاب". بل توسّع النفوذ الإيراني، وتضاعفت مأساة اليمن، وتحوّلت مناطق شاسعة إلى جزر نفوذ تمولها أطراف متعددة.
كشفت الحرب عن حدود التدخل غير المباشر، وعن فشل هندسة المجتمعات من بعيد عبر أدوات الاستخبارات. لقد تحوّل اليمن إلى ساحة استنزاف إقليمي، لا إلى ساحة نفوذ أمريكي واضح المعالم.
5. ما الذي تكشفه تجربة اليمن عن الاستراتيجية الأمريكية؟
تؤكد حرب اليمن أن الولايات المتحدة، في نسختها الجديدة بعد حرب العراق، باتت تفضّل الحروب الاستخباراتية، والضغط عبر الوكلاء، وتجنّب الكلفة البشرية والسياسية المباشرة. لكنها أيضًا كشفت عن حدود هذا النموذج: فحين تكون أدوات السيطرة غير واضحة، يصبح الفشل بلا هوية، والفوضى بلا مالك، والدمار بلا مساءلة.
خاتمة: عبث الوكالة وحدود الدولة
تكشف اليمن أن الحرب ليست مجرد معركة سلاح، بل اختبار لقواعد النظام الدولي. عندما تغيب الدولة، وتتحول أجهزة الاستخبارات إلى لاعب مركزي، تختفي السيادة، وتُسقط الحرب كل الأقنعة. لم تكن اليمن سوى وجه آخر لعقيدة أمريكية باتت تعتبر الفوضى المدارة أفضل من الدولة المستقلة.