
الخلفيات والدوافع: لماذا تدخّلت أمريكا؟
عقب الحرب العالمية الثانية، تقاسمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي شبه الجزيرة الكورية على طول خط العرض 38، كحلّ مؤقت لترتيب ما بعد الاحتلال الياباني. لكن سرعان ما تحوّل "المؤقت" إلى تقسيم دائم، وتشكّلت في الشمال جمهورية ديمقراطية شعبية موالية لموسكو، وفي الجنوب جمهورية مدعومة من واشنطن. كانت الحرب الباردة في بداياتها، لكن واشنطن رأت في أي تقدّم شيوعي خطرًا داهمًا على استراتيجيتها الكبرى لاحتواء الاتحاد السوفيتي. ومن هنا، لم يكن تدخلها في الحرب الكورية بدافع الدفاع عن كوريا الجنوبية فقط، بل لحماية "نظرية الدومينو" التي كانت ترى أن سقوط أي بلد في يد الشيوعية سيجرّ معه دولًا أخرى.
مجريات التدخل: من الدفاع إلى الهجوم
حين اندلعت الحرب في يونيو 1950 بهجوم كوري شمالي مفاجئ على الجنوب، سارعت واشنطن إلى طلب تدخل أممي عبر مجلس الأمن — الذي كان في غياب السوفييت آنذاك — لتشكيل تحالف عسكري تقوده الولايات المتحدة. خلال أشهر، تحوّلت المعركة من صراع دفاعي لحماية سيؤول إلى حملة هجومية وصلت إلى حدود الصين، مما دفع الأخيرة إلى التدخل المباشر بقوات ضخمة، قلبت موازين المعركة وأعادت خطوط الاشتباك إلى ما يقارب حدود ما قبل الحرب.
النتائج: ترسيخ الانقسام العالمي
أسفرت الحرب عن مئات الآلاف من القتلى وملايين المهجّرين، ولم تؤدِ إلى إعادة توحيد كوريا، بل إلى ترسيخ الانقسام السياسي والعسكري والآيديولوجي فيها. أما على المستوى الدولي، فقد شكّلت هذه الحرب سابقة في استخدام التدخل العسكري ضمن مظلة الأمم المتحدة، وأظهرت مدى استعداد واشنطن لاستخدام القوة المباشرة لحماية مناطق نفوذها. بل كانت تمهيدًا لحروب أخرى مشابهة، مثل فيتنام، حيث كرّرت أمريكا السيناريو نفسه مع اختلاف التكتيكات.
الوجه الخفي: اختبار حدود المواجهة مع الصين
بعيدًا عن الشعار المُعلن بمحاربة الشيوعية، كانت واشنطن تختبر في كوريا حدود المواجهة مع الصين الوليدة تحت قيادة ماو تسي تونغ. لم تكن المسألة محصورة في كوريا، بل كانت جزءًا من تطويق الصين في مرحلة تشكّلها كقوة كبرى. وما زالت هذه الجبهات، رغم مضي العقود، حيّة حتى اليوم في تايوان وبحر الصين الجنوبي وكوريا الشمالية.
خلاصة
حرب كوريا لم تكن معركة بين شقيقين، بل بين عملاقين. كانت نموذجًا مبكرًا لكيفية صناعة الحروب بالوكالة تحت غطاء الدفاع، ولعبت دورًا محوريًا في صياغة معالم النظام العالمي الجديد لما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد أرست قواعد اللعبة التي ستتكرر لعقود، حيث تتحوّل الجغرافيا المحلية إلى رقعة شطرنج عالمية، تُحرّك فيها القطع باسم الأمن والسلام، لكن الهدف الحقيقي يبقى السيطرة والتفوق الاستراتيجي.