الحروب الأمريكية: أوكرانيا: حرب بالوكالة أم نزال على النظام الدولي؟

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، برزت روايتان متضادتان: الأولى تعتبرها حربًا روسية عدوانية ضد دولة ذات سيادة، والثانية تراها ردًا روسيًا على تمدد الناتو والهيمنة الغربية. لكن بعيدًا عن الروايتين، تقودنا هذه الحرب إلى سؤال أعمق: هل ما يحدث في أوكرانيا هو مجرد صراع إقليمي؟ أم أنه نزال حاسم لإعادة تشكيل النظام الدولي بأسره؟

العقيدة الأمريكية: محاصرة الخصوم من بعيد

لطالما اعتمدت الولايات المتحدة سياسة الاحتواء النشط في مواجهة القوى المنافسة. بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، تم توسيع حلف الناتو تدريجيًا ليقترب من الحدود الروسية، رغم تعهدات سابقة بعدم فعل ذلك. لم يكن هذا التمدد مجرد إجراء دفاعي، بل خطوة استراتيجية لإبقاء روسيا في حالة ضغط دائم، وحرمانها من أي عمق استراتيجي في محيطها الحيوي.

أوكرانيا كانت الحلقة الأضعف في هذا الحزام، لكنها تحمل في طياتها خطورة استثنائية: فهي تمثل خاصرة روسيا المباشرة، وقاعدة محتملة لنشر أنظمة دفاع وهجوم أمريكية على بُعد دقائق من موسكو.

أهداف واشنطن: استنزاف الخصم لا المواجهة المباشرة

التدخل الأمريكي في أوكرانيا لم يكن عسكريًا مباشرًا، بل اعتمد على مبدأ الحرب بالوكالة: تزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية والدعم الاقتصادي، لشن حرب طويلة الأمد تستنزف الجيش الروسي وتُربك موسكو داخليًا.

في هذا السياق، لا تسعى واشنطن إلى نصر أوكراني حاسم، بل إلى خلق "أفغانستان جديدة" لروسيا، دون أن تخسر جنديًا واحدًا. وبهذا، يتحقق الهدف الأمريكي الأهم: إبقاء روسيا منشغلة، وقطع الطريق أمام أي تحالف روسي-صيني صاعد.

النتائج الجيوسياسية: النظام الدولي يتشقق

لم تقتصر تداعيات الحرب على حدود أوكرانيا، بل أثّرت في بنية النظام العالمي ذاته:

  • صعود تحالفات جديدة خارجة عن الهيمنة الأمريكية (بريكس، ومنظمة شنغهاي).
  • تسارع فكّ الارتباط المالي مع الدولار في بعض الدول.
  • انكشاف محدودية العقوبات الغربية وفعالية السرديات الإعلامية في دول الجنوب العالمي.
  • تزايد الحديث عن عالم "متعدد الأقطاب"، ينهار فيه احتكار أمريكا للتدخل باسم "الشرعية الدولية".

الدرس الخفي: متى تصبح السيادة ورقة تفاوض؟

ما جرى في أوكرانيا يفضح هشاشة مفاهيم السيادة حين تتقاطع مع مصالح الدول الكبرى. ففي حين رفض الغرب بشدة انتهاك روسيا لسيادة أوكرانيا، كان هو نفسه من داس على سيادة العراق وليبيا وأفغانستان من قبل. وهكذا يتّضح أن "السيادة" ليست مبدأ، بل أداة تُستخدم وتُهمل حسب الحاجة.

خلاصة: صراع أوكرانيا ليس حول حدود، بل حول القواعد

في النهاية، تُظهر حرب أوكرانيا أنها ليست مجرد مواجهة بين دولتين، بل ساحة اختبار لقواعد اشتباك جديدة في النظام الدولي. إنها لحظة فارقة، تعيد تعريف مفاهيم مثل الحياد، السيادة، والتدخل، وتطرح سؤالًا جوهريًا: من يملك الحق في رسم خريطة العالم؟


وصف الصورة المقترحة:

صورة واقعية مركبة (Photorealistic Composite) تُظهر ساحة معركة رمزية في أوكرانيا، حيث تقف دمية عسكرية كبيرة تمثل أوكرانيا وسط الميدان، بينما تتحكم بها أيدٍ ضخمة من خلف الستار تمثل روسيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، مع خريطة العالم تتصدّع في الخلفية.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡