
هنا، لا تبدو المساعدات محاولة لإنقاذ البشر، بقدر ما تبدو محاولة لإنقاذ الأنظمة التي لا تجرؤ على إعلان موقف. هي مفارقة صارخة: يُقتل الإنسان، وتُرسل له فتات المعونة بدلًا من حمايته. يُقصف البيت، ويُوزَّع الخبز على أنقاضه، لا لشيء إلا لتأكيد دور المانحين والمتواطئين في مشهد الإغاثة، حيث تُستبدل العدالة بمسرحية توزيع الماء، ويُخفف الغضب الشعبي بـ"صورة قافلة" تنقل علب الحليب.
لكن السؤال الأعمق: لماذا يُسمح بإدخال المساعدات أصلًا من قِبل الجهة المعتدية؟ ولماذا تروج بعض الحكومات أن هذا "إنجاز دبلوماسي" يُحسب لها؟ في كثير من الحالات، لا تُستخدم المساعدات لتخفيف المعاناة بل لإطالة أمدها، بضخ رمق حياة يتيح للعدو الاستمرار في الحرب دون أن تنفجر الأوضاع بالكامل، خاصة في الدول المجاورة. فإدخال القليل من المساعدات يمنع الانهيار التام، وبالتالي يمنح الأنظمة المهزوزة متنفسًا سياسيًا لتفادي الغضب الداخلي، مع الحفاظ على علاقاتها مع القوى الدولية.
هذا الدور الوسيط بين القاتل والضحية، لا يُعدّ وساطة نزيهة، بل هندسة محسوبة: يُمنع السلاح عن المحاصَرين، وتُرسل لهم المواد الغذائية. يُحرَمون من الدفاع، ويُغذَّون بما يكفي فقط كي لا يموتوا بالكامل. وهذا بالضبط هو جوهر "المعونة في زمن العدوان": ليس إنقاذًا للضحية، بل إدارة مدروسة لوتيرة المأساة.
في النهاية، حين تكون الأنظمة خائفة من انفجار شعوبها، فإنها تلجأ إلى هذه المساعدات كأداة امتصاص لا كشكل من أشكال المقاومة أو التضامن. فتُوجَّه الأنظار نحو "الخبز والدواء"، بينما تُنسى أسئلة العدالة، والسيادة، والردع، وكأن المعركة كلّها مجرد "أزمة إنسانية"، لا جريمة حرب تُرتكب على الهواء.