
أولًا: تفوّق النوع على الكم
رغم أن العرب يُشكّلون أكثر من 90% من السكان في محيط إسرائيل، إلا أن الكيان الصهيوني لم يسعَ أبدًا إلى مضاهاة هذا الطوق عددًا، بل تفوقًا نوعيًا:
- صناعة عسكرية متطورة مدعومة أمريكيًا وأوروبيًا.
- ترسانة نووية غير مُعلنة.
- تفوق استخباراتي وإلكتروني، وتحكم في تقنيات الرقابة.
- دعم مالي وسياسي دائم من أكبر مراكز القوى العالمية.
إسرائيل لا تحكم بقوة البشر، بل بقوة النخبة العالمية التي قررت حمايتها.
ثانيًا: التفكيك الاستراتيجي للجوار
لم يكن تفوّق إسرائيل عسكريًا فقط، بل جيوسياسيًا في المقام الأول. فقد فُكّك العالم العربي من حولها:
- مصر مقيدة باتفاقيات أمنية ووصاية أمريكية منذ كامب ديفيد.
- الأردن يلعب دور الحاجز الآمن لإسرائيل، ويرتبط أمنه الداخلي بخيوط الدعم الخارجي.
- سوريا تم إنهاكها في صراع داخلي دموي لسنوات.
- لبنان مشلول بتركيبة طائفية قابلة للاشتعال عند الطلب.
- غزة والضفة خُنقت بالفصل السياسي والجغرافي والأمني.
كل كيان عربي محيط بإسرائيل تم عزله عن الآخر، ثم إضعافه داخليًا ليكون عاجزًا عن التفاعل، فضلًا عن المواجهة.
ثالثًا: سلاح التفتيت النفسي والسياسي
- العرب اليوم لا ينقصهم العدد، بل تنقصهم الإرادة السيادية، بسبب شبكة من النظم السياسية المربوطة إما بالخارج، أو بالخوف من الداخل.
- الشعوب، وإن كانت مناصرة للقضية الفلسطينية، إلا أنها تعيش في حالة شلل سياسي متعمد: القمع، الإلهاء، والتمويه الإعلامي.
- من يُرد أن يُقاتل العدو الخارجي، لا بد أولًا أن يكون محررًا من عدوه الداخلي: الجبر السياسي.
رابعًا: لعبة التحالفات الخفية
الواقع أن إسرائيل لا تقف وحدها، بل كوكيل دائم داخل المنظومة الغربية:
- وهيمنة إسرائيل قائمة على تحالفات مع الدول التي تتحكم في القرار العالمي: أمريكا، بريطانيا، فرنسا.
- وبالمقابل، فإن العالم العربي مُختَرق بعقود سلاح مشروطة، وأنظمة مصرفية مرتبطة بالخارج، ونخب تم تدريبها سياسيًا في أكاديميات ما بعد الاستعمار.
الهيمنة هنا لا تُمارَس بالسلاح فقط، بل عبر تشكيل النظام الذي يُنتج هذا العجز.
خامسًا: من الغلبة إلى السيطرة على الرواية
لا يكفي أن تهزم الجيوش، بل يجب أن تُقنع العالم أنك المنتصر الشرعي. وهنا لعبت إسرائيل دورًا مذهلًا في السيطرة على:
- السردية الإعلامية.
- صناعة العدو.
- شيطنة المقاومة.
- وتبييض جرائمها تحت عناوين الأمن أو "حق الدفاع عن النفس".
في حين تم تصوير العرب دومًا ككتلة مشوشة، غير عقلانية، تهدد "الاستقرار"، وتعيش على حافة الفوضى.
خاتمة:
إسرائيل لا تتحكم في العرب لأنها أقوى، بل لأن العرب أُعيد تشكيلهم ليكونوا غير قادرين على الفعل.
الفارق الجوهري لم يكن ديموغرافيًا، بل هندسيًا: هندسة المشهد السياسي، والهويات، والحدود، والوعي، والعدو، والحليف، وحتى أدوات الصراع.
وفي النهاية، من يظن أن الأرقام تصنع القوة، لم يفهم بعد أن في السياسة: من يصوغ المعادلة هو من يحكمها، لا من يدخل فيها كرقم فقط.
وصف الصورة المقترحة:
صورة مركبة واقعية (Photorealistic Composite) تُظهر خريطة الشرق الأوسط من الأعلى ليلاً، حيث تظهر إسرائيل صغيرة ولكن مضاءة بقوة، محاطة بدول عربية واسعة تبدو داكنة أو متقطعة الإضاءة، مع رموز تشبه خيوط تحكم تمتد من خارج المنطقة (من أوروبا أو أمريكا) وتتصل بإسرائيل والدول العربية المحيطة بها على شكل خيوط سياسية غير مرئية.