
وظيفة "الشريك العربي": من الوساطة إلى الوكالة
لم يعد "الشريك العربي" مجرد وسيط يسعى لحلول متوازنة، بل أصبح في كثير من الأحيان ذراعًا تنفيذية ضمن هندسة إسرائيلية إقليمية، هدفها تحويل القضية الفلسطينية من مسألة تحرير وحقوق، إلى ملف "مساعدات إنسانية"، و"إعادة إعمار"، و"خفض التصعيد".
إن التحول في اللغة لم يكن بريئًا؛ بل يعكس تغييرًا في جوهر الدور. فالمطلوب من هذا الشريك ألا يضغط على الاحتلال، بل على الفلسطينيين، كي يقبلوا بالحد الأدنى من المطالب، تحت شعار "الواقعية السياسية"، وربما تحت وطأة الحصار.
المعايير الإسرائيلية لاختيار الشريك
إسرائيل لا تبحث عن شريك قوي، بل عن شريك قابل للضبط. المعادلة واضحة: كلما كان الطرف العربي أكثر تبعية، وأقل شعبية، كان مرشحًا أفضل من منظور إسرائيل. وهذا يفسر لماذا تتراجع فرص القوى ذات الامتداد الشعبي في لعب هذا الدور، وتُعطى الأولوية لأنظمة تفتقر للتفويض الشعبي لكنها تملك قرارًا أمنيًا مركزيًا قابلًا للتوجيه الخارجي.
وغالبًا ما يُربط هذا الدور بملفات اقتصادية ومساعدات مشروطة، تجعل من "الشراكة" في ظاهرها تنسيقًا من أجل الاستقرار، وفي حقيقتها تعهّدًا بتسهيل السيطرة الإسرائيلية.
من التنسيق الأمني إلى التكامل الأمني
في السابق، كانت بعض الأطراف العربية تُتهم بـ"التنسيق الأمني" مع الاحتلال. أما اليوم، فقد بات المطلوب منها "تكاملًا أمنيًا"، يتعدى ضبط الحدود، ليشمل التحكم في الرواية الإعلامية، وتصفية الفعل المقاوم سياسيًا واجتماعيًا.
إنهم لا يريدون فقط من يمنع التهريب، بل من يُعيد تشكيل الوعي. ومن هنا تأتي خطورة هذا الدور؛ لأنه لا يقتصر على الجغرافيا، بل يطال السيادة الثقافية والرمزية.
استنساخ النموذج: غزة كمعمل اختبار
غزة ليست فقط ساحة مواجهة، بل أيضًا حقل تجارب للمشروع الإسرائيلي. تُختبر فيها آليات "الردع الذكي"، وتُصمم منها نماذج لـ"إدارة السكان تحت الحصار"، ويُصاغ منها لاحقًا تصورٌ لحكم فلسطيني منزوع الدسم، قد يُعاد تصديره للضفة الغربية أو لما تبقى من فلسطين.
ومن هنا تبرز الحاجة الملحة، إسرائيليًا وغربيًا، لوجود "شريك عربي" يضمن بقاء هذه المنظومة دون انهيار.
تصفية الصراع عبر الشريك المحلي
الرهان على "الشريك المحلي" لا يهدف إلى إنهاء الاحتلال، بل إلى إنهاء القضية. وما يُسمى بـ"التهدئة المستدامة" ما هو إلا غطاء زمني لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وفق شروط الاحتلال. أما "البدائل السياسية" التي تُطرح فجأة، فغالبًا ما تكون أدوات لتقويض قوى المقاومة وليس حلولًا حقيقية.
المفارقة الكبرى أن المشروع لا يحتاج إلى توقيع اتفاقيات صريحة، فالتطبيع الفعلي يتم عبر الوقائع اليومية: تدفق المساعدات المشروطة، والزيارات الأمنية، والتحكم في معابر الحياة، وقبل كل ذلك، في سردية النصر والهزيمة.
خاتمة
الحديث عن "شريك عربي" ليس تعبيرًا عن رغبة إسرائيلية بالسلام، بل عن حاجتها إلى وكلاء محلّيين يخففون عنها أعباء السيطرة المباشرة، ويُسهّلون تمرير مشروع التصفية تحت غطاء "الاعتدال".
ولذلك، فإن السؤال الحقيقي ليس: من يملك التفاوض؟ بل: من يملك التمثيل؟ ومن يملك القرار في لحظة الصراع والصمود، لا في زمن الإغاثة والإعمار؟