المقاومة بين السلاح والسياسة: من يُمثّل فلسطين في زمن التهدئة؟

مع كل حرب على غزة، يعود السؤال الأهم إلى الواجهة: من يُمثّل الفلسطينيين اليوم؟

هل الفصائل التي تقاتل على الأرض؟ أم السلطة التي تُفاوض في الغرف المغلقة؟
وفي زمن التهدئة، حين تُغلق الجبهات وتُفتح القنوات، يصبح التمثيل الفلسطيني محكًّا حقيقيًا يكشف حجم الانقسام، وعمق الأزمة السياسية، وملامح "التسوية" التي يُراد فرضها تحت لافتة إعادة الإعمار أو منع التصعيد.

سلاح في الميدان... بلا شرعية سياسية دولية

لا شك أن الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي، هي من تتحمل عبء المواجهة على الأرض، وهي من تدفع الثمن الأكبر ميدانيًا، شعبيًا، وماديًا.
لكن هذه الفصائل، رغم قوتها التعبوية، لا تمتلك اعترافًا دوليًا رسميًا، ولا مكانًا في دوائر القرار السياسي التي تُرسم فيها مصائر الشعوب.

وهنا تكمن المعضلة: السلاح موجود، لكن الشرعية السياسية مُصادَرة، ويتم تفويض أطراف لا تقاتل، ولا تمثل الإرادة الشعبية، للحديث باسم فلسطين في المحافل الدولية.

سلطة بلا سلطة: من يفاوض وماذا يمثّل؟

السلطة الفلسطينية، رغم ما تبقى لها من هيكل رمزي، تعاني من أزمة شرعية داخلية، وأزمة ثقة خارجية.
فهي لا تسيطر على غزة، ولا تمثل معظم الشباب الفلسطيني، ولا تخضع لانتخابات حقيقية منذ سنوات. ومع ذلك، فهي الطرف الوحيد الذي تُخاطَبه العواصم الغربية وتُستقبَل وفوده في العواصم.

وفي كل جولة تفاوض أو وساطة، يُعاد إنتاج هذه الصيغة المشوّهة:

  • السلطة تتحدث باسم شعب لا تُمثّله فعليًا.
  • الفصائل تُستبعَد لأنها "متطرفة"، رغم أنها من تقاتل وتضحّي.
  • والشعب لا يملك أدوات مساءلة أو تصحيح المسار.

زمن التهدئة: لحظة الفرز القسري للتمثيل

التهدئة ليست مجرد وقفٍ لإطلاق النار، بل إعادة توزيع للصوت الفلسطيني:
من يتحدث؟ من يفاوض؟ من يحصل على ضمانات إعادة الإعمار؟
وتُستخدم هذه اللحظة الحساسة لفرض صيغة تمثيل جديدة، غالبًا عبر بوابة "المساعدات"، أو "الحلول المرحلية"، أو "إعادة توحيد السلطة"، ولكن بشروط لا تعبّر عن روح المقاومة، بل عن منطق الترويض والاحتواء.

الخطورة هنا أن التفاهمات تُصاغ دون حضور المقاتلين، ودون تفويض شعبي، ودون شفافية، مما يعمّق حالة الانفصال بين من يضحّي، ومن يقرّر.

المقاومة السياسية الغائبة: من يحمل مشروع التحرر؟

في ظل انسداد الأفق السياسي، تغيب تمامًا المقاومة السياسية ذات المشروع التحرّري الكامل، وتتقدّم بدلًا منها إما فصائل عسكرية بلا نفوذ تفاوضي، أو سلطة تفاوضية بلا ظهر شعبي.
أما منظمة التحرير، التي كان يُفترض أن تُشكّل مظلّة جامعة، فقد تم تحنيطها سياسيًا، واستُخدِمت كواجهة دبلوماسية بلا مضمون.

وبهذا، تضيع فلسطين بين نموذجين عاجزين:

  • فصائل تُخنَق ميدانيًا وتُستبعَد سياسيًا.
  • وسلطة تُعترف بها دوليًا وتفقد وزنها محليًا.

الوسطاء يعيدون هندسة التمثيل.. لا المصالحة

في كل مرة تُطرح فيها مبادرة مصالحة، تكون الغاية المعلنة هي "توحيد الصف"، بينما الغاية غير المعلنة غالبًا ما تكون إعادة تشكيل التمثيل الفلسطيني بما يتماشى مع شروط الاحتلال والمجتمع الدولي.
ويُعاد ترتيب "الممثل المقبول" وفق منطق لا علاقة له بالإرادة الشعبية، بل بـ:

  • قابلية الترويض.
  • الاستعداد لتقاسم الحكم تحت الاحتلال.
  • القدرة على ضبط الجماهير.
  • و"الموثوقية" من منظور واشنطن وتل أبيب.

وهكذا، تتحوّل "المصالحة" إلى أداة تصفية لا وحدة، وإلى لحظة إعادة هندسة لا لحظة تحرر.

خلاصة: بين شرعية المقاومة وشرعية التفاوض

السؤال الأخطر اليوم ليس فقط "من يُمثّل فلسطين؟"، بل:
هل يملك أي طرف شرعية مزدوجة: شرعية الأرض، وشرعية القرار؟
إن استمرار الانقسام، واستبعاد المقاومين من التمثيل السياسي، واستمرار الاعتراف الدولي بسلطة عاجزة، كلّه يكرّس صورة مزيفة للقيادة الفلسطينية، ويُضعف الموقف التفاوضي، ويزيد من قابلية تمرير مشاريع التصفية.

ولذلك، فإن المعركة الحقيقية ليست فقط على الأرض، بل على منبر التمثيل.
فلا تحرير بلا تمثيل حقيقي، ولا تمثيل بلا شرعية شعبية، ولا شرعية لمن يُفاوض دون أن يشارك في الكفاح.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡