نزع سلاح حماس: وهم سياسي أم معركة مستحيلة؟

بالنظر إلى الواقع السياسي والعسكري والاجتماعي في غزة، فإن فكرة "نزع سلاح حماس" ليست مجرد قرار يمكن فرضه بالوسائل التقنية أو الأمنية، بل هي قضية معقدة ومتشابكة تتداخل فيها أطراف متعددة، وظروف متغيرة، وسياقات إقليمية ودولية.

فيما يلي تحليل نقدي لمسألة نزع سلاح حماس في الوضع الراهن:


أولًا: ما المقصود بنزع السلاح؟

مصطلح "نزع السلاح" في السياق الغزّي لا يعني فقط جمع الأسلحة أو تفكيك البنية العسكرية، بل يشمل:

  • تفكيك شبكات التصنيع والتخزين والأنفاق
  • تحييد القوة العسكرية كأداة ردع أو ضغط سياسي
  • قطع الصلة بين الفصائل العسكرية والمجتمع المحلي

بمعنى آخر: هو محاولة لتحويل غزة إلى منطقة منزوعة التأثير الاستراتيجي، سواء على "إسرائيل" أو على الإقليم.


ثانيًا: ما هي الأطراف الداعية لهذا النزع؟

  1. إسرائيل: ترى في سلاح حماس تهديدًا وجوديًا وأمنيًا، وتستخدم هذا المطلب لتبرير استمرار الحصار والهجمات.
  2. الولايات المتحدة والدول الغربية: تدعم هذا المطلب ضمن مقاربة "إعادة إعمار مقابل نزع السلاح".
  3. بعض الأنظمة العربية: تتماهى مع هذا الطرح كمدخل لـ "تهدئة طويلة" تحفظ مصالحها السياسية.
  4. السلطة الفلسطينية: ترى فيه شرطًا ضروريًا لاستعادة "الشرعية" في غزة.


ثالثًا: ما العقبات الواقعية أمام نزع السلاح؟

1. الجذور الشعبية للمقاومة

سلاح حماس والفصائل لا ينمو في فراغ. بل يستند إلى:

  • حاضنة شعبية ترى فيه سلاحًا دفاعيًا ضد الاحتلال
  • شعور جمعي بأن السلاح هو الضمانة الوحيدة لعدم تكرار نكبة جديدة

2. فشل البدائل السياسية

لم تقدّم السلطة أو المجتمع الدولي نموذجًا مقنعًا يُغني الغزيين عن خيار المقاومة المسلحة:

  • لا دولة
  • لا سيادة
  • لا رفع للحصار
  • لا ضمانات للحماية الدولية

3. تعقيد البنية العسكرية

سلاح حماس ليس جيشًا نظاميًا يمكن تفكيكه بمرسوم:

  • شبكة من الأنفاق تحت الأرض
  • تصنيع محلي غير مركزي
  • كتائب منتشرة في المخيمات والأحياء
  • دعم لوجستي من شبكات خارجية (إقليمية ودولية)

4. الواقع الإقليمي المتوتر

ما دام الاحتلال قائمًا، والاعتداءات مستمرة، فإن المطالبة بنزع السلاح تتحوّل إلى مطالبة بالاستسلام، وهو ما ترفضه الجماهير الفلسطينية.


رابعًا: السيناريوهات المحتملة

1. فرض نزع السلاح بالقوة

  • خيار مكلف جدًا من حيث الأرواح والدعم الدولي
  • سيفجّر الأوضاع لا في غزة فقط، بل في المنطقة كلها

2. ربط الإعمار بنزع السلاح تدريجيًا

  • تكتيك يُطرح حاليًا عبر الوسطاء
  • لكنه يفتقر إلى الثقة المتبادلة
  • وغالبًا ما يُنظر إليه كوسيلة لشراء الوقت لصالح الاحتلال

3. صفقة سياسية كبرى (تبادل: تهدئة طويلة مقابل امتيازات حقيقية)

  • يحتاج إلى ضامن دولي فاعل
  • لكن انهيار الثقة بعد المجازر الأخيرة يجعل هذا السيناريو بعيدًا

خامسًا: ما الهدف الحقيقي من الطرح؟

قد لا يكون "نزع السلاح" هدفًا واقعيًا في ذاته، بل وسيلة لتحقيق ما يلي:

  • تحييد غزة عن معادلة الصراع
  • تمهيد الطريق لتطبيع إقليمي شامل
  • نقل الشرعية من المقاومة إلى كيانات وظيفية

بعبارة أخرى: السلاح هنا ليس مجرد قطعة حديد، بل رمز سياسي واستراتيجي. ومن يسعى لتجريده، يسعى لتجريد غزة من قدرتها على التأثير.


خلاصة:

نزع سلاح حماس، في الظروف الحالية، غير ممكن عمليًا، وغير مقبول شعبيًا، وغير مضمون سياسيًا.
فالمعادلة أبعد من مجرد سلاح.. إنها معادلة الكرامة والسيادة والبقاء في وجه مشروع يسعى لتفكيك كل روافع القوة في المجتمع الفلسطيني.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡