
الحكم الذاتي: من صيغة مؤقتة إلى قيد دائم
عندما طُرحت فكرة الحكم الذاتي في "اتفاق أوسلو"، رُوِّج لها كمرحلة انتقالية نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة. لكن ما حدث فعليًا هو تثبيت هذه المرحلة المؤقتة كواقع دائم، مع ترسيخ التجزئة الجغرافية والإدارية للضفة والقطاع، وخلق سلطة محدودة الصلاحيات تتحرك ضمن هوامش مرسومة بدقة إسرائيلية.
ما هو "حل الدولتين" فعليًا؟
لطالما استخدمت إسرائيل والغرب هذا المصطلح لتسويق مشروع سلام مفترض. لكن على الأرض، تقضم المستوطنات الضفة الغربية بلا توقف، وتُفرض وقائع تجعل من أي "دولة فلسطينية" مجرّد كنتونات معزولة، بلا منافذ، بلا جيش، وبلا سيطرة على الموارد أو الحدود. إنها دولة اسمًا، لكنها خاضعة لوصاية دائمة ومفتوحة.
الدور الدولي: رعاية التفاوض أم احتواء الصراع؟
اللافت أن القوى الدولية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم تكن يومًا راعيًا نزيهًا للتفاوض، بل كانت الضامن الأهم لأمن إسرائيل واستقرار مشروعها الاستيطاني. وتحت عنوان "حل الدولتين"، شُرعنت كل أشكال التطبيع والانخراط العربي الرسمي في ترتيبات لا تصبّ إلا في مصلحة الاحتلال.
من يمثل فلسطين فعلًا؟
هنا تتعقد الأسئلة: هل تمثل السلطة الفلسطينية - بواقعها الحالي - آمال الفلسطينيين وطموحاتهم في التحرر؟ أم أنها أُعيد تشكيلها لتكون طرفًا إداريًا ينظّم "السكان" داخل ما يُشبه "الكانتونات" تحت الإشراف الأمني؟ في المقابل، تظهر المقاومة كطرف شعبي، لكنه مُحاصر سياسيًا، ويُراد عزله دوليًا عبر شيطنته.
الطريق المسدود: تفكيك الخدعة
المأزق الحقيقي أن "حل الدولتين" كما يُروَّج له اليوم لم يعد قابلًا للتحقق. وما يُطرح ليس سوى إعادة تدوير وهم السيادة، وتثبيت شكل من أشكال الحكم الذاتي المنقوص الذي لا يهدد إسرائيل، بل يضبط حدود الفلسطينيين داخل معازل مُراقَبة. ومن هنا، فإن المطلوب ليس العودة إلى التفاوض، بل تفكيك سرديات التفاوض نفسه.
نحو إعادة تعريف المشروع الوطني
إذا كان ما يُعرض اليوم هو خيار بين خضوع إداري واستسلام سياسي، فإن جوهر المشروع الوطني الفلسطيني يحتاج لإعادة تعريف: من مشروع دولة محدودة تحت مظلة الاحتلال، إلى مشروع تحرر شامل يتجاوز حدود "الدولة" كمفهوم قانوني، ويعيد الاعتبار للمقاومة بوصفها أداة شعبية لاسترداد الكرامة والحق، لا مجرد ورقة ضغط تفاوضية.