
مشكلة "بحر الصين الجنوبي" هي واحدة من أكثر النزاعات الجيوسياسية تعقيدًا وخطورة في آسيا، وتمثل بؤرة تنافس بين عدة دول آسيوية من جهة، والصين من جهة أخرى، ووراءها مصالح الولايات المتحدة والقوى الغربية. لفهم طبيعة هذه الأزمة، نعرض الأبعاد التالية:
أولًا: ما هو بحر الصين الجنوبي؟
بحر الصين الجنوبي هو منطقة بحرية استراتيجية تمتد بين الصين، الفلبين، فيتنام، ماليزيا، بروناي، وتايوان. ويُعد من أهم الممرات المائية عالميًا:
- يمر عبره ثلث التجارة البحرية العالمية.
- يُعتقد أنه غني بالنفط والغاز ومصائد الأسماك.
- يشكّل موقعًا استراتيجيًا في قلب المحيط الهادئ – الهندي (Indo-Pacific).
ثانيًا: جذور النزاع
الصين تزعم سيادتها على نحو 90% من بحر الصين الجنوبي، اعتمادًا على "خط النقاط التسع" (Nine-Dash Line) الذي يعود لفترة ما قبل الشيوعية. هذا الخط يتقاطع مع مناطق تعتبرها دول أخرى جزءًا من مياهها الإقليمية أو الاقتصادية الخالصة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS).
الدول المتنازعة تشمل:
- الصين: تدّعي السيادة على معظم البحر، وتبني جزرًا اصطناعية وقواعد عسكرية.
- الفلبين: تعتبر مناطق مثل جزر سبراتلي ضمن مياهها، ورفعت قضية ضد الصين وفازت بها عام 2016.
- فيتنام: تملك مطالب تاريخية في البحر، ودخلت في اشتباكات بحرية مع الصين.
- ماليزيا وبروناي وتايوان: لكل منها مطالب بدرجات مختلفة.
ثالثًا: أبعاد النزاع
1. العسكري والسيادي:
الصين قامت بتحويل شعاب مرجانية إلى قواعد جوية وموانئ عسكرية، ما اعتبرته الدول الأخرى تعديًا على مياهها. وردًا على ذلك، تقوم أمريكا وحلفاؤها بمناورات بحرية تحت شعار "حرية الملاحة".
2. الاقتصادي:
تسعى الدول لاستغلال الثروات البحرية، خصوصًا الغاز والنفط، وهو ما جعل النزاع يتحول إلى سباق موارد.
3. القانوني:
في 2016، حكمت محكمة التحكيم الدولية في لاهاي لصالح الفلبين، معتبرة أن مطالب الصين التاريخية لا أساس قانوني لها. لكن الصين رفضت القرار.
4. الجيوسياسي:
النزاع أصبح ساحة صراع ضمن الاستقطاب العالمي بين الولايات المتحدة والصين. واشنطن تدعم الدول المناوئة للصين وتعتبر أن حرية الملاحة مهددة، بينما ترى بكين أن أمريكا تتدخل في "شؤونها الداخلية".
رابعًا: لماذا الخطر يتصاعد؟
- الصين تبني قواعد عسكرية في جزر نائية رغم اعتراضات دول الجوار.
- أمريكا تزيد وجودها العسكري في المنطقة لردع الصين.
- التحالفات تتغير: اليابان وأستراليا والهند يدخلون في المعادلة.
- تفاقم التوترات في تايوان قد يجرّ هذه الأزمة البحرية إلى نزاع إقليمي واسع.
خامسًا: السيناريوهات المحتملة
- استمرار الوضع الراهن: توترات دون انفجار عسكري.
- تصعيد تدريجي: اشتباك بحري محدود، خاصة بين الصين والفلبين.
- تدويل الأزمة: تحويل النزاع إلى قضية دولية أكبر تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو ما ترفضه الصين.
- انفجار شامل: سيناريو كارثي يورط قوى كبرى، لكنه مستبعَد حاليًا بسبب الكلفة.
خلاصة نقدية
النزاع في بحر الصين الجنوبي ليس فقط حول الحدود البحرية، بل هو معركة على السيادة، الموارد، ومكانة القوى العالمية. إنه نموذج لصدام بين نظام عالمي أحادي القطبية تحاول أمريكا المحافظة عليه، وبين قوى صاعدة كالصين تعيد تعريف "القانون الدولي" بحسب مصالحها. وما يبدو صراعًا على الجزر، هو في العمق صراع على من يملك تعريف "الشرعية".