أرخبيل سولو والفلبين: الجبهة الشرقية للهوية الملايوية

سلسلة: أرخبيل الملايو: حيث يصنع البحر الممالك:

حين يُذكَر اسم "الفلبين"، تقفز إلى الذهن صورة دولة كاثوليكية في شرق آسيا، متأثرة بالثقافة الإسبانية والغربية. لكن هذه الصورة تغفل تمامًا عن جزء جوهري من الحقيقة: أن الفلبين، وخاصة في جنوبها، كانت تاريخيًا جزءًا حيًّا من العالم الملايوي الإسلامي، قبل أن تقطعها الجغرافيا السياسية الحديثة وتُغمر بثقافة استعمارية مضادة.

فمنطقة أرخبيل سولو، التي تمتد بين جنوب الفلبين وبورنيو، لم تكن يومًا هامشًا منسيًا، بل كانت جبهة بحرية حضارية، لعبت دورًا مفصليًا في مقاومة الاستعمار، وحفظ جزء من الذاكرة الملايوية الإسلامية من الذوبان.


جذور إسلامية عميقة قبل وصول الإسبان

  • دخل الإسلام أرخبيل سولو و"مينداناو" قبل وصول الإسبان بقرون، عبر الدعاة والتجار القادمين من ملقا، وجاوة، وبورنيو.
  • تأسست في المنطقة سلطنة سولو في أواخر القرن الرابع عشر، وكانت مركزًا بحريًا قويًا يشرف على طرق التجارة بين الجزيرة الكبرى (لوزون) وجزيرة بورنيو.

ولم تكن سلطنة سولو مجرد كيان محلي، بل:

  • عقدت تحالفات مع سلطنة بروناي.
  • وامتد نفوذها إلى أجزاء من صباح وسراواك في بورنيو، وجزر بالاوان شمالًا.
  • وكانت تقيم صلات سياسية وثقافية مستمرة مع السلطنات الملايوية في المنطقة.

الإسبان: استعمار ديني–قومي

  • حين وصل الإسبان إلى الفلبين في القرن السادس عشر، صُدموا من انتشار الإسلام في الجزر الجنوبية.
  • حاولوا القضاء عليه، فشنوا حروبًا صليبية حقيقية على سلطنة سولو وسلطنة ماجينداناو، استمرت أربعة قرون تقريبًا.

مقاومة لا تهدأ:

  • قاوم مسلمو الجنوب بمنتهى الشراسة، رافضين الخضوع للحكم الإسباني.
  • فشل الإسبان في إخضاع سولو بالكامل، رغم الحملات الوحشية.
  • بقيت مناطق الجنوب الإسلامي معزولة سياسيًا عن الحكم الإسباني في مانيلا، ما ساهم في حفظ هويتها المستقلة.

الأمريكيون: استعمار جديد بقفازات ناعمة

  • بعد الحرب الإسبانية–الأمريكية عام 1898، انتقلت الفلبين إلى السيطرة الأمريكية.
  • سعى الأمريكيون إلى دمج الجنوب الإسلامي قسرًا ضمن الدولة الجديدة.

لكنهم واجهوا مقاومة شرسة، خاصة من زعيم ماجينداناو "داتو علي"، وقادة آخرين في سولو.

  • اعتمد الأمريكيون بعد فشل القوة، على سياسات الإدماج الناعم:

      • التعليم الإنجليزي.
      • تنصيب زعامات محلية موالية.
      • دعم هجرة المسيحيين من الشمال إلى أراضي المسلمين.

هذا ما مهّد لاحقًا لـ"صراع داخلي طويل الأمد"، بين المسلمين المستبعدين من الحكم المركزي وبين الدولة الفلبينية.


التهميش الحديث والمسألة المورو

بعد الاستقلال الرسمي للفلبين عام 1946، تحوّلت أراضي المسلمين إلى هامش منسي:

  • حُرمت مناطق الجنوب من التنمية.
  • صودرت الأراضي وجرى توطين المسيحيين فيها.
  • ظهرت جماعات المقاومة مثل:

      • جبهة مورو الإسلامية للتحرير.
      • جبهة مورو الوطنية للتحرير.

ورغم توقيع اتفاقات الحكم الذاتي (مثل إنشاء إقليم بانغسامورو في السنوات الأخيرة)، لا تزال قضية "مسلمي الفلبين" إحدى أكثر القضايا إهمالًا في الخطاب العالمي.


موقع أرخبيل سولو من الهوية الملايوية

أرخبيل سولو لا يمثل مجرد امتداد جغرافي لجزر الفلبين، بل هو جسر حضاري بين بروناي وجاوة والفلبين.
ثقافيًا، لغته هي "باهاسا سوج"، وهي لغة من عائلة اللغات الملايوية.
ودينيًا، تشكّل هذه المنطقة آخر قلاع الإسلام التاريخية في شرق الفلبين.

اليوم، يَعتبر الكثير من المؤرخين أن سولو كانت بمثابة "الأندلس الشرقية"، التي صمدت في وجه حملات التنصير والاستعمار لأربعة قرون، قبل أن تُدمَج قسرًا في دولة لا تشبهها.


تحليل ختامي: البحر الذي فُصِلتْ عليه الممالك

في النهاية، تمثل سولو والفلبين الجنوبية مثالًا صارخًا على كيف فرّقت الحدود الحديثة شعبًا واحدًا، وجعلت من هوية كانت مشتركة (ملايوية – إسلامية – بحرية) مجرد استثناء معزول.

إن ضمّ أرخبيل سولو إلى سلسلة أرخبيل الملايو ليس قرارًا جغرافيًا، بل اعترافٌ بوحدة السياق الحضاري قبل أن تمزّقه الخرائط الاستعمارية.


وصف الصورة:

صورة واقعية لمقاتلين من سكان الجزر في جنوب الفلبين خلال القرن التاسع عشر، يرتدون لباسًا تقليديًا ويقفون على شاطئ جزيرة جبلية، يظهر في الخلف قارب خشبي شراعي مميز وأفق البحر بين سولو وبورنيو.

سلسلة: أرخبيل الملايو: حيث يصنع البحر الممالك

أحدث أقدم