تركيا وروسيا والصين في قلب المعادلة: كيف تتعامل مع حرب إيران وإسرائيل؟

مع تصاعد الحرب المفتوحة بين إيران وإسرائيل، لم يعد الصراع شأنًا ثنائيًا يخص البلدين فحسب، بل تحوّل إلى اختبار دقيق لمواقف القوى الإقليمية والدولية التي تحاول تجنّب الانزلاق في نار المواجهة، دون أن تفقد تأثيرها الاستراتيجي. في مقدمة هذه القوى تقف كل من تركيا وروسيا والصين، ولكل منها موقع حساس ورؤية معقدة تجاه ما يجري. فكيف تفهم هذه الدول الحرب؟ وما حدود تدخلها أو صمتها؟


تركيا: بين التوازن الحرج والطموح القيادي

تركيا تجد نفسها في موقف مربك. من جهة، هي عضو في الناتو وتحتفظ بعلاقات أمنية متوترة مع إسرائيل، ومن جهة أخرى تسعى لعدم خسارة إيران، الجار المهم اقتصاديًا وجغرافيًا. وقد جاء الموقف التركي حذرًا جدًا حتى الآن:

  • دبلوماسيًا، دعت أنقرة إلى "وقف فوري لإطلاق النار" و"منع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة".
  • إعلاميًا، تميل بعض المؤسسات المقربة من السلطة إلى إدانة إسرائيل ضمنيًا، لكنها لم تساند إيران بشكل مباشر.
  • استراتيجيًا، تركيا تراقب الفراغ المحتمل إذا ما أُضعفت إيران، فهي تخشى صعود إسرائيل أكثر مما تثق بطهران.

لكنّ الأهم هو أن تركيا ترى في هذا الصراع فرصة لتعزيز دورها كوسيط إقليمي، مستفيدة من علاقاتها المتشعبة مع الجميع، بما في ذلك قنواتها الخلفية مع إيران وإسرائيل وروسيا.


روسيا: حرب لا تخدم الحسابات

موقف روسيا أكثر وضوحًا في برودته. فالحرب لا تخدم مصالحها، لا في أوكرانيا ولا في الشرق الأوسط، بل تزيد من تعقيد شبكة علاقاتها المعقدة:

  • مع إيران: روسيا حليف لإيران في ملفات متعددة، من سوريا إلى صفقات السلاح والطاقة.
  • مع إسرائيل: تحتفظ موسكو بعلاقات أمنية مهمة مع تل أبيب، خاصة في سوريا حيث يوجد تنسيق دائم لتفادي التصادم العسكري.

البيان الروسي الرسمي دعا إلى "ضبط النفس" دون إدانة صريحة لأي طرف، ما يُظهر رغبة موسكو في الحفاظ على التوازن. لكن من خلف الستار، فإن موسكو قلقة من:

  • اختلال التوازن الإقليمي لصالح واشنطن.
  • احتمال انهيار الداخل الإيراني، ما قد يضعف المحور المعادي للغرب.

لذا، فروسيا تحاول أن تحافظ على علاقاتها وتوازناتها، دون الدخول في مغامرة جديدة تستنزفها سياسيًا أو اقتصاديًا.


الصين: حسابات الطاقة والاستقرار أولًا

الصين تنظر إلى الحرب من زاوية مصلحية بحتة، فهي:

  • تعتمد على إيران كمصدر طاقة رئيسي وصفقات ضخمة في النفط والغاز.
  • تعتبر منطقة الخليج ممرًا حساسًا في مبادرة "الحزام والطريق".
  • تسعى إلى الظهور كـ "قوة توازن دولي"، خصوصًا في لحظة التراجع الغربي.

الموقف الصيني الرسمي كان تقليديًا:

  • الدعوة إلى "حل دبلوماسي" و"احترام سيادة الدول".
  • تحذير من "توسيع رقعة الحرب وتأثيرها على الاقتصاد العالمي".

لكن في العمق، فإن الصين قلقة جدًا من أمرين:

  1. أي ضرر طويل الأمد بالبنية التحتية الإيرانية قد يُعطّل مشاريعها في المنطقة.
  2. إغلاق مضيق هرمز – أو حتى مجرد تهديده – سيربك واردات الطاقة الصينية بشكل مباشر.

وبالتالي، تتحرك بكين في الكواليس بهدوء، عبر قنواتها الاقتصادية والدبلوماسية، لإقناع طهران بعدم التورط في تصعيد مفتوح.


مواقف تحت المجهر: الصمت أبلغ من التصريحات

ما يلفت في مواقف هذه القوى هو أنها:

  • ترفض الحرب، لكنها لا تملك أدوات مباشرة لإيقافها.
  • تحذر من التصعيد، لكنها لا تتفق فيما بينها على تفسير ما يجري.
  • تراقب الساحة لتقدير مكاسب محتملة من أي فراغ قد يخلفه انهيار أحد الأطراف.

في الواقع، كل من تركيا وروسيا والصين تتصرف كأنها على هامش النار: لا تريد الاقتراب، لكنها لا تريد الخروج من المشهد أيضًا.


خلاصة تحليلية: توازنات دقيقة في لحظة فوضى

الحرب بين إيران وإسرائيل فتحت بابًا على إعادة تشكيل النظام الإقليمي، وتركيا وروسيا والصين يعرفون جيدًا أن زمن ما قبل هذه الحرب لن يكون كما بعدها. ولذلك فإن سلوكهم يُبنى على انتظار لحظة التحول، لا على المبادرة.

في النهاية، يمكن القول إن هذه القوى تفضّل حربًا محدودة دون انتصار حاسم لأي طرف، لأنها تدرك أن انكسار إسرائيل أو إيران سيخلق خللًا استراتيجيًا قد يُوظف لصالح واشنطن، وهو ما لا ترغب به أيٌّ منها.

أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال