
دول الخليج بين فكي كماشة: الجغرافيا والتحالفات
تُشكّل الجغرافيا الخليجية عاملًا خطيرًا في المعادلة الحالية. فمعظم دول الخليج تقع على مرمى الصواريخ الإيرانية، وتحتضن قواعد عسكرية أمريكية تُعتبر منطلقًا محتملاً لأي تحرك عسكري ضد طهران. الإمارات، البحرين، السعودية، وقطر – رغم تفاوت مواقفها السياسية – تُعدّ جميعها أهدافًا محتملة في حال قررت إيران توسيع رقعة المواجهة لتشمل حلفاء واشنطن في المنطقة.
في المقابل، فإن التحالفات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة – وخاصة مظلة الحماية الأمنية – لا تتيح مساحة كافية للمناورة، مما يُجبر بعض الدول على اتخاذ مواقف حذرة، تتراوح بين الدعم السياسي الصامت، والحياد الإعلامي المعلن، والتهيئة الأمنية الصامتة.
النفط في مرمى الخطر: استفادة مؤقتة أم بداية أزمة؟
لا شك أن أسعار النفط ارتفعت مع بداية الضربات الجوية الإسرائيلية على طهران، حيث تجاوز خام برنت حاجز 76 دولارًا للبرميل. وقد يبدو ذلك مكسبًا ماليًا سريعًا لدول الخليج، لكنه يخفي في طيّاته تهديدًا استراتيجيًا أكبر، إذ إن أي إغلاق أو تهديد فعلي لمضيق هرمز – الذي تمر عبره أكثر من خمس تجارة النفط العالمية – سيعني تعطيل سلاسل التوريد، وخلخلة الاقتصاد العالمي، بما فيه اقتصاد الدول المصدّرة نفسها.
ومن المفارقات أن دول الخليج ستواجه معضلة: ارتفاع الأسعار يُغري بالربح، لكنه يُرافقه قلق المستثمرين، ونزيف في الأسواق المالية المحلية، وتضخّم داخلي محتمل.
تصدّع الداخل: عندما يتحول الرأي العام إلى ساحة معركة
الحرب ليست فقط على الجبهات العسكرية، بل تمتد إلى العقول والقلوب. ففي دول خليجية تضم مكونات شيعية كالسعودية والكويت والبحرين، قد تستثمر إيران الحرب دعائيًا لتحريك خطاب داخلي يتماهى مع سردية "المقاومة"، مما يشكل تحديًا أمنيًا للسلطات، خاصة في حال تزايد الاستقطاب الطائفي أو ارتفعت وتيرة الاستفزاز الإعلامي الإيراني.
كما أن تنامي القلق الشعبي العام من اندلاع حرب إقليمية قد يضغط على الحكومات الخليجية لاتخاذ خطوات لطمأنة الداخل، سواء عبر تعزيز التدابير الأمنية أو تعديل السياسات الإعلامية.
الحوثيون ورقة طهران جنوبًا: هل يُفتح جبهة جديدة؟
إحدى أوراق إيران التقليدية في الرد غير المباشر هي الميليشيات المتحالفة معها، وعلى رأسها الحوثيون في اليمن. وهنا تبرز السعودية والإمارات كأهداف مفضّلة لأي رد فعل بالوكالة. فإطلاق صواريخ أو طائرات مسيرة من صنعاء نحو الرياض أو أبو ظبي قد يُستخدم كوسيلة ضغط، دون أن تتحمل طهران المسؤولية المباشرة.
هذا السيناريو سيكون اختبارًا حاسمًا لمستوى التنسيق الخليجي، ولجاهزية أنظمة الدفاع الجوية في ظل احتمالية تزامن الضربات من أكثر من محور.
هل تستطيع دول الخليج النجاة من الإعصار؟
الحقيقة أن دول الخليج لا تملك رفاهية الوقوف على الحياد التام، لكنّها في الوقت نفسه لا ترغب في الانجرار إلى ساحة مواجهة مباشرة. إنها تسير على حبل مشدود بين حماية مصالحها الاستراتيجية، والابتعاد عن نيران حرب إقليمية كبرى.
النجاة من هذا الإعصار تعتمد على:
- ضبط الإيقاع الدبلوماسي بعناية.
- تفعيل خطوط اتصال مع أطراف متعددة (إيران، أميركا، تركيا، الصين).
- رفع مستوى الجاهزية الأمنية دون تصعيد إعلامي.
- التنسيق الداخلي لمنع الاستغلال الطائفي أو السياسي للنزاع.
خاتمة: الخليج في زمن العواصف الكبرى
ما يجري ليس مجرد صراع بين دولتين، بل إعادة تشكيل موازين القوة في المنطقة. والخليج، بحكم موقعه وثرواته وتحالفاته، ليس بمنأى عن التداعيات. ورغم أن الحرب حتى الآن لم تشتعل بشكل شامل، فإن جذوتها تشتعل تحت الرماد، وعلى دول الخليج أن تُعيد حساباتها سريعًا، قبل أن تُفرض عليها أجندة لا تملك خيار رفضها.