المشروع أو العدم: لماذا يموت الإنسان حين لا يحمل قضية؟

سلسلة: تحرير الإنسان من منظومة الركض:
الإنسان كائن معنى، لا كائن صرف.

حين يفقد مشروعه، أو غايته، أو قضيته، يموت داخليًا رغم استمرار نبض قلبه.
الحياة بدون قضية تشبه سفينة بلا بوصلة، تبحر بلا وجهة، فتضيع في بحار التكرار والتفاهة.

في عصر الركض المضني الذي نعيشه، تُصبح القدرة على حمل مشروع شخصي أو جماعي أشبه بالثورة، وأقرب إلى فعل إنساني يُعيد ترتيب الوجود.


الإنسان لا يعيش بلا معنى

الفلاسفة عبر التاريخ لم يتفقوا على كل شيء، لكنهم اتفقوا على أن:
الإنسان لا يُعاش، بل يُعاش من أجله.
وهذا "الأجل" أو "الغاية" هو مشروعه، هو قصته، هو حمله الثقيل والمقدس.

حين تُسلب من الإنسان هذه الغاية، يُصبح جسدًا فقط، وروحًا بلا نبض.
يصبح عاجزًا عن التفاعل الحقيقي مع الحياة، ويتحول إلى نسخة باهتة من نفسه.


لماذا يموت الإنسان في عز الزحمة؟

قد يعيش الإنسان في ضجيج الحياة اليومية، لكن الداخل قد يكون صامتًا.
الشغل، الدراسة، الاستهلاك، الترفيه، لا تعوض عن فقدان القضية.
فغياب المشروع يُفرغ من الحياة معانيها، ويجعل الإنسان أسيرًا للروتين، وفريسة للضياع.

في هذا الفراغ، تولد الأمراض النفسية، ويتفشى الشعور بالفراغ، وينمو اليأس.


المشروع: قوة دافعة للتغيير

المشروع الشخصي أو الجماعي يمنح الإنسان:

  • شعورًا بالهدف،
  • دافعًا للمثابرة،
  • قدرة على تجاوز الصعاب،
  • ارتباطًا بالآخرين عبر رؤية مشتركة.

ليس شرطًا أن يكون المشروع عظيمًا أو عالميًا، بل يكفي أن يكون حقيقيًا وصادقًا، يلامس أعماق الذات.


كيف يُولد المشروع؟

المشروع يولد من:

  • الوعي بالذات: من أنا؟ ماذا أريد؟
  • التفاعل مع الواقع: ما هي مشاكل مجتمعي؟ ما هي حاجات أهلي؟
  • الخيال الإبداعي: كيف يمكنني أن أغيّر أو أضيف؟
  • الإرادة والمثابرة: الاستمرار رغم المحن والانتكاسات.

إنه توليفة بين الفكر والعمل، بين الحلم والواقع.


عوائق حاملة المشروع في زمن الركض

لكن في عصر السرعة والإلهاء، ثمة عوامل كثيرة تقف حجر عثرة أمام ولادة المشروع، مثل:

  • الاستنزاف اليومي،
  • قلة الدعم الاجتماعي،
  • الخوف من الفشل والنبذ،
  • غياب القدوة والموجهين.

هذه العوائق لا تقتل المشروع فقط، بل تقتل الحالمين به.


المشروع كمقاومة

في مجتمع يُراد له أن يبقى مستهلكًا سلبيًا، المشروع يصبح فعل مقاومة.
مقاومة للركض العبثي، وللنسيان، وللصمت القسري.

حين يحمل الإنسان مشروعه، يصبح لا مجرد تابع للوقت، بل صانعًا له، ومُعيدًا بناء الواقع وفق رؤيته.


خاتمة

المشروع هو الحياة.
حين تموت القضايا، تموت الأحلام، وتموت الرغبة في أن يكون الإنسان أكثر من مجرد رقم في آلة السوق.

لا تخاف من حمل قضية.
لا تنتظر الظروف المثالية.
ابدأ حيث أنت، بما لديك، ومع من حولك.

لأن الحياة بلا مشروع ليست سوى انتظار للموت.



عناوين في السلسلة :

أحدث أقدم