
في هذا السياق، تبرز تجربة مصر أيام محمد مرسي كنموذج عملي لمحاولة مقاومة هذا الجبر، حيث حاولت حكومة مدنية تمثل إرادة شعبية أن تُعيد لمصر مكانتها السيادية، لكن عوامل داخلية وخارجية دفعت نحو إخضاع هذه التجربة وإجهاضها.
الوصاية والجبروت الخارجي: آليات السيطرة على الدول العربية
تُمارس القوى الدولية سيطرتها عبر آليات متعددة تشمل:
- الضغوط الاقتصادية والسياسية المشروطة: ترتبط معظم الدول العربية باتفاقيات ومساعدات مالية مشروطة، مما يجعلها مُجبرة على اتباع سياسات خارجية تخدم مصالح تلك القوى، بغض النظر عن أضرارها المحلية.
- الهيمنة العسكرية والأمنية: قواعد عسكرية أجنبية متواجدة في الدول، وأجهزة أمنية تعمل ضمن تنسيق مع جهات استخباراتية خارجية، تُقيّد استقلالية القرار السياسي والأمني.
- الإعلام وصناعة الرأي العام: تلعب وسائل الإعلام دورًا أساسيًا في تعزيز السرديات الرسمية التي تبرر الوصاية وتدعم الأنظمة القائمة، مع تهميش أو تشويه أي صوت معارض.
- استغلال الانقسامات الداخلية: استخدام الخلافات الطائفية والسياسية لإبقاء الدول مشغولة بصراعات داخلية تمنع توحدها ومقاومتها للوصاية الخارجية.
تجربة مصر أيام مرسي: محاولة تحرر في مواجهة الجبر
بعد ثورة 25 يناير 2011، كان الحلم المصري يرتكز على بناء دولة مدنية ديمقراطية حرة. مع تولي محمد مرسي الرئاسة في يونيو 2012، ظهر جليًا التوتر بين إرادة التغيير وحاجز القوى التقليدية المحلية والخارجية.
- إرادة سيادية: حاول مرسي إعادة توازن العلاقات الدولية لمصر، وبدأ خطوات نحو استقلال القرار الوطني، خاصة في السياسة الخارجية والتوجه الإقليمي، ما دفع قوى خارجية ومحلية إلى مقاومته.
- الضغوط الدولية: أظهرت واشنطن وبعض الحلفاء الخليجيين تردّدًا وعدم ترحيب واضح بحكم مرسي، وفرضت عليه ضغوطًا مباشرة وغير مباشرة لفرض سياسات تخدم مصالحهم.
- التحديات الداخلية: الجيش وأجهزة الأمن العميقة، بالإضافة إلى قطاعات من النخبة السياسية والاجتماعية، شكلت حائط صد أمام مرسي، واستغلت أي ضعف أو خطأ لزعزعة حكمه.
- المظاهرات المنظمة والتلاعب الإعلامي: تصاعدت المظاهرات ضد مرسي بتنسيق وتنظيم، مدعومة من وسائل إعلام ضخمة، حيث رُسمت صورة سوداء لحكمه، بينما كانت مظاهرات مؤيدة له تُغيب أو تُقلل من أهميتها.
- خداع الإخوان: في خضم التوترات، تلقت جماعة الإخوان المسلمين وعودًا دولية بدعمها في حال التزامها بالسلمية، لكن هذه الوعود سرعان ما تلاشت، لتبدأ بعدها حملات قمع منظمة.
في يوليو 2013، تم الانقلاب على مرسي، ليبدأ عهد جديد من الوصاية المتزايدة على مصر، وعودة فرضيات الجبر الخارجي.
التبعية الجبرية في الدول العربية: حالة مستمرة وليست استثناء
مصر ليست حالة منفردة، بل نموذج من نماذج كثيرة في الوطن العربي حيث تتقاطع المصالح الخارجية مع ضعف البنية الداخلية:
- الاعتماد العسكري والاقتصادي: معظم الدول لا تملك خيارًا حقيقيًا غير الخضوع لمطالب القوى الكبرى مقابل دعم عسكري واقتصادي.
- القيود على الحريات: قمع المعارضة وتقييد الحريات السياسية يعوق أي مشروع تحرر وطني.
- الأزمات المتكررة: سواء أكانت أزمات اقتصادية، نزاعات مسلحة، أو اضطرابات اجتماعية، فهي في أغلب الأحيان مرتبطة بالهيمنة الخارجية وإعادة ترتيب النفوذ.
خاتمة: بين الجبر ومقاومة السيادة
الوصاية المستترة والجبر الخارجي يحولان دون قيام دول عربية ذات سيادة حقيقية. تجربة مرسي، رغم فشلها الظاهر، تظل درسًا واضحًا في محاولة كسر هذه القيود، ورفض الوصاية.
المستقبل قد يحمل فرصًا جديدة، شرط أن تتمكن الشعوب من بناء تكتلات إقليمية مستقلة، تدعم مشاريع تحرر حقيقية، بعيدًا عن ضغوط الهيمنة الخارجية، مع تعزيز دور الحكم الرشيد والتنمية المستدامة.
دعم التحليل من مصادر متخصصة
تتفق العديد من الدراسات والتحليلات المتخصصة مع هذا التقييم، حيث يؤكد باحثون مثل ديفيد هيرست وستيفن والت وجون بيرغ أن التدخلات الغربية، وبالأخص الأمريكية، لعبت دورًا حاسمًا في فرض الوصاية على الدول العربية، بما فيها مصر. كما أظهرت تقارير معاهد بحثية بارزة، وإعلام مستقل عالمي، أن هذه القوى لم تكن داعمة للديمقراطية الحقيقية بقدر ما كانت تسعى للحفاظ على نفوذها الجيوسياسي، مما أدى إلى تقويض محاولات الاستقلال الوطني، مثل تجربة حكم مرسي، وتحويلها إلى مجرد فصول في مسرح الصراعات الدولية.