التفقير الممنهج: بنغلاديش: بين الطفرة النسيجية والبؤس الإنساني

تُقدَّم بنغلاديش في الخطاب الاقتصادي العالمي كقصة نجاح مدهشة: بلد فقير سابقًا يتحوّل إلى مصنع عالمي للملابس، ويحقق معدلات نمو لافتة. لكن حين نزيح الستار عن الأرقام، نكتشف معجزة مبنية على عرق الفقراء، وديون متراكمة، واعتماد شبه كامل على الأسواق الخارجية. 

خلف أبراج النسيج وموانئ التصدير، يعيش ملايين العمال تحت خط الكفاف، يعملون بأجور مجحفة في بيئة تُعيد إنتاج الاستغلال. إنه اقتصاد الخياطة: سريع النمو، لكنه هش، وتابع، ومفصول عن حاجات الشعب. معجزة بنغلاديش إذًا، ليست معجزة وطن، بل معجزة شركات.

يُشار إلى بنغلاديش كمعجزة اقتصادية حديثة. معدلات نمو مرتفعة، صادرات نسيج بالمليارات، وتحوّل عمراني سريع. لكن هذه الطفرة تخفي واقعًا قاسيًا من التفقير، والاستغلال، والتبعية الاقتصادية شبه المطلقة.


مصانع، لا وطن

تُعدّ بنغلاديش ثاني أكبر مصدر للملابس في العالم، لكن العاملات في هذه المصانع يعملن لساعات طويلة بأجور زهيدة، في بيئات خطرة.

وكلما ازدهر التصدير، ازداد فقر العمّال، لأن النمو لا يُعاد توزيعه، بل يُعاد تصديره.


اقتصاد الخياطة

اقتصاد البلاد محصور تقريبًا في قطاع النسيج، ما يجعله هشًا، وتابعًا لتقلّبات السوق العالمية. لا صناعة ثقيلة، ولا استقلال غذائي، ولا تنوّع اقتصادي.

إنه نموذج تفقير يعتمد على العمل الرخيص، لا على التنمية الحقيقية.


الدين الخارجي.. والأمل المزيف

رغم المديح الدولي، فإن بنغلاديش تغرق في الديون، وتطبّق كل وصفات صندوق النقد. تقشف، خفض دعم، ومشاريع "تنموية" بتمويل خارجي تُثقل كاهل الدولة.

ويُخدّر المواطن بإنجازات إعلامية، في حين أن الواقع يعكس تزايد الفقر، والبطالة، والهجرة.


من يربح؟

الشركات الأجنبية، والساسة المرتبطون بها، هم من يربح من هذا النمو. أما المواطن، فهو مجرّد يد عاملة رخيصة تُستهلك ثم تُستبدل.

وبينما يُرفَع شعار "التقدم"، تتآكل الكرامة الإنسانية.

سلسلة: الفقر والتفقير الممنهج

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡