
1. غياب الإرث الاستعماري المباشر في المشرق
إسبانيا، بخلاف بريطانيا وفرنسا، لم تكن طرفًا رئيسيًا في تقسيم العالم العربي أو في ولادة الكيان الصهيوني. لذا لا ترتبط بمنظومة الالتزامات التاريخية ذاتها، ولا تحمل العبء السياسي الذي يجعل باريس أو لندن شريكًا في المشروع الإسرائيلي منذ بدايته.
2. التكوين السياسي اليساري في الحكومة
تحكم إسبانيا حاليًا حكومة ائتلافية ذات لون يساري واضح، تجمع بين الحزب الاشتراكي وحزب "بوديموس"، الذي عُرف منذ نشأته بمواقفه المناهضة للاستعمار والعولمة الرأسمالية. هذا المزاج الأيديولوجي ينعكس في دعمٍ أوضح للقضية الفلسطينية، وفي خطابات سياسية تقترب أكثر من لغة الشارع الأوروبي الغاضب.
3. ضغط شعبي منظم ومجتمع مدني متفاعل
في إسبانيا، لا تُشكّل النخبة الحاكمة بمعزل عن الرأي العام. هناك نقابات وجامعات وحركات مقاطعة (BDS) تمارس تأثيرًا فعليًا على السياسة، وتحشد الشارع دعمًا لغزة، ما يخلق بيئة سياسية لا تستطيع فيها الحكومة تجاهل حجم التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين، خاصةً بعد المجازر الموثقة.
4. رغبة جيوسياسية في التمايز
ضمن الاتحاد الأوروبي، لا تملك إسبانيا الوزن الثقيل الذي تمتلكه ألمانيا أو فرنسا، لكنها تسعى إلى إثبات استقلالية نسبية في السياسة الخارجية. التعبير عن مواقف أخلاقية حادة تجاه قضايا مثل غزة يمنحها مكانة مميزة ويكسبها احترامًا دوليًا قد يُعوّض عن موقعها الثانوي في ملفات أخرى.
5. غياب اللوبي الصهيوني التقليدي
لا توجد في إسبانيا بنية ضغط صهيونية مؤسسية كما هو الحال في فرنسا أو بريطانيا. وهذا الفراغ يسمح بصوت سياسي أكثر تحررًا، ويمنح النخبة الحاكمة هامشًا واسعًا في اتخاذ مواقف غير خاضعة لحسابات المصالح أو التحالفات العقائدية.
خاتمة
ما تبدو عليه إسبانيا من شجاعة سياسية، هو في جوهره تفاعل مع بنية داخلية مختلفة، وماضٍ أقل تورطًا، وتكوين حكومي منسجم مع مبادئ العدالة. لكنها تبقى، في نهاية المطاف، جزءًا من منظومة أوروبية واسعة، تحكمها اعتبارات التحالفات والأمن والطاقة. ولذلك فإن رهان الشعوب العربية على موقف مدريد يجب أن يكون واعيًا بحدوده، لا منبهرًا بشكله.