
فما الذي يدفع أطراف الحرب لاستهداف الشعوب؟ ومن يتحمّل مسؤولية هذا التحول الخطير؟ وهل نحن أمام نمط جديد من الحروب يشرعن الإبادة والتجويع كأدوات ضغط؟
الحاضنة الشعبية: من الدعم إلى التهمة
في الحروب غير التقليدية، لا سيما في حالات المقاومة، يُنظر إلى الشعب كمكوّن عضوي من الصراع، وليس كمجرد بيئة سكانية. يتحول كل فرد مدني إلى جزء من "البيئة الحاضنة"، فيُتهم ضمناً بـ"دعم الإرهاب" أو "إيواء المتمردين"، وهو توصيف يُستخدم لتبرير الضربات العشوائية، والحصار، والتهجير الجماعي، والتجويع كأداة حرب.
الحرب النفسية: حين يكون الرعب وسيلة انتصار
تستهدف بعض الجيوش قتل أكبر عدد من المدنيين بهدف ترهيب من تبقّى:
- لكسر الروح المعنوية للمجتمعات.
- لخلق فجوة بين المقاومة وشعبها.
- لتحطيم النسيج الاجتماعي وتشتيت العائلات.
في هذا السياق، تتحول الحرب من مواجهة مسلحة إلى عملية تدمير ممنهجة للهوية الجماعية، والموروث، والذاكرة.
الابتزاز السياسي: دماء المدنيين كورقة تفاوض
عندما تتعثّر المسارات العسكرية، تلجأ بعض الأنظمة المعتدية إلى التصعيد ضد المدنيين، لا لتحقيق نصر ميداني، بل من أجل الضغط:
- على المقاومة لتقديم تنازلات.
- على المجتمع الدولي للتدخل وإعادة التفاوض بشروط جديدة.
- على الشعوب لتقبل "حلولًا سياسية" ظالمة تحت ضغط المجازر.
وهنا يصبح المدني رهينة في لعبة المصالح.
الإعلام الدولي: صناعة المظلومية الزائفة
ما يفاقم الكارثة هو الانحياز الإعلامي، حيث:
- تُبرّر الجرائم ضد المدنيين بحجج مثل "الاختباء خلفهم".
- تُعرض صور الضحايا دون الحديث عن القاتل.
- يُعطى المعتدي حق الرد، بينما يُتهم الضحية بإثارة العنف.
وهكذا تُحوّل آلة الإعلام الضحية إلى مجرم، والمجرم إلى ضحية تطالب بالتعاطف الدولي.
المؤسسات الدولية: ازدواجية المعايير في أوضح صورها
في كل حرب، تثبت المنظمات الدولية عجزها أو تواطؤها:
- فهي تصدر بيانات القلق بدلًا من اتخاذ خطوات ردعية.
- وتُماطل في التحقيقات، أو تُحجّم نتائجها.
- بينما تُظهر سرعة لافتة في الإدانة إذا كان الضحية من معسكر غير مرغوب فيه.
وهكذا تتحول القوانين الدولية إلى أدوات انتقائية، يُستخدم بعضها ويُعطّل البعض الآخر وفق ميزان المصالح.
الأنظمة العربية: بين الصمت والتواطؤ
في ظل مجازر مروعة ضد المدنيين، تصمت أنظمة عربية أو تكتفي ببيانات شكلية، بل إن بعضها يبرر المجازر بذريعة محاربة "المليشيات"، أو يسهم في الحصار، أو يغلق المعابر. وفي أحسن الأحوال، تُمارس هذه الأنظمة سياسة "الإنكار"، متجاهلة أن كل نقطة دم تُراق تُسجّل في الوعي الجمعي العربي، وتغذّي شرخًا لا يندمل.
الشعوب العربية: من التضامن إلى الغضب المكبوت
في المقابل، تتزايد الهوة بين الشعوب وحكوماتها. فبينما تُعبّر الشعوب عن تضامنها الصريح مع ضحايا العدوان، تواصل الأنظمة سياسات التطبيع، أو تتذرع بـ"الشرعية الدولية"، أو تدين "العنف من الطرفين". هذا التباين يفاقم السخط الشعبي، ويكشف عمق الفجوة بين منطق الدولة ومنطق الضمير.
خلاصة
الحروب المعاصرة لم تعد تستهدف الجيوش فقط، بل الشعوب ذاتها. لم يعد المدني "عرضة" للخطر، بل هدفًا مباشرًا يُراد به كسر الإرادة وتفكيك المجتمع وتبديل المواقف. إنها حروب لا تُخاض بالسلاح فقط، بل بالصور، والمجاعة، والدمار، وصمت المتواطئين.
وفي قلب هذه المأساة، يقف الإنسان العربي أعزل إلا من وعيه. فهل آن الأوان أن نُعيد تعريف الحرب، والعدو، و"الشرعية"؟