"نستنكر ونشجب بأشد العبارات".. حين يصبح الشجب هو أقصى ما يُمكن تقديمه

في كل كارثة إنسانية أو مجزرة تُرتكب، خاصة حين يكون الضحية طرفًا عربيًا أو مسلمًا، تتكرر العبارة نفسها من عواصم عربية كثيرة: "نشجب بأشد العبارات". عبارة تخرج بتأنٍّ محسوب، تُلقى على منابر الأمم المتحدة أو في بيان خجول صادر عن وزارة خارجية. ومع تكرار المجازر، يتكرّر الشجب. أما الدماء، فتبقى تُسال، بلا رادع، وكأن العالم لا يسمع إلا بيانات الإدانة، ولا يرى إلا الحبر المراق في بيانات الحكومات.

تفكيك العبارة: دلالات التكرار وغياب الفعل

1. الشجب كقناع سياسي

عبارة "نشجب بأشد العبارات" ليست موقفًا سياسيًا فعليًا، بل قناع يُستخدم لستر العجز أو التواطؤ. فهي لا تترجم إلى أي إجراء عملي: لا سحب سفير، لا وقف تعاون، لا ضغط دبلوماسي، ولا حتى خطاب إعلامي قوي. إنما تُستخدم كبديل عن الفعل، لا كمقدمة له.

2. توظيف الشجب لتفريغ الغضب الشعبي

في الأنظمة التي تخشى ردود الفعل الشعبية، يُستخدم الشجب كأداة لامتصاص الغضب:

  • إعلان "الإدانة" يوهم الداخل بأن الدولة غاضبة.
  • لكنه في حقيقته تصريح بارد لا يحمل تبعات.
  • ما يجعل الشعوب أكثر وعيًا بأن حكوماتها تُزايد دون نية للفعل.

3. تفريغ اللغة من معناها

عندما تُستخدم أقسى العبارات اللغوية دون فعل، تُفرَّغ اللغة نفسها من مضامينها:

  • فـ"أشد العبارات" تصبح عبارة جوفاء.
  • و"الاستنكار" يصبح طقسًا دبلوماسيًا روتينيًا.
  • ويصبح الكذب علنيًا حين لا تُترجم الكلمات إلى سياسات.

السياق الأخلاقي والسياسي: من شجب المقاومة إلى شجب العدوان

بعض الأنظمة شجبت المقاومة أكثر مما شجبت الاحتلال!

  • بل إن بعض البيانات الحكومية كانت أقسى في لوم طرف عربي يدافع عن نفسه من قصف العدو.
  • في حين أن الاحتلال يُمارس التدمير بلا مساءلة، وتُردّ عليه بعبارة مكرورة "نشجب".

هذا يكشف أن الشجب ليس دائمًا ضد الجريمة، بل أداة خطابية يُستخدم ضد من لا يخدم المصلحة السياسية للأنظمة، ولو كان هو الضحية.

الشجب في ميزان الفعل: ماذا يمكن أن يعني لو صَدَق؟

لو أن "الشجب" جاء في سياق سياسي حقيقي، لكان:

  • تمهيدًا لخطوات دبلوماسية أو قانونية.
  • أداة ضغط اقتصادي أو سياسي.
  • نذير قطع علاقات أو تجميد تعاون أمني.

لكن ما يحدث في الواقع، أن الشجب هو الفعل الوحيد، بل في بعض الحالات، هو أقصى ما يُسمح به سياسيًا. وهذا يجعلنا نسأل:
هل هذا النظام جاد في موقفه، أم أنه يُجيد فقط ضبط الإيقاع الإعلامي؟

الشعوب تدرك، وتحتقر

الشعوب لم تعد تنتظر بيانات الخارجية.

  • المواطن العربي العادي يدرك الفارق بين الموقف الحقيقي والعبارات الجوفاء.
  • ولذلك أصبح "نشجب" رمزًا للسخرية السياسية.
  • لا تُخفّف من ألم المكلومين، بل تُضيف إلى الجرح سُمّ النفاق.

الخاتمة

"نشجب بأشد العبارات" ليست عبارة تُدين الجريمة، بل تُدين قائلها.
إنها إعلان عجز، أو تستّر على تواطؤ، أو إرضاءٌ للخارج على حساب الداخل.
وفي زمنٍ تتسارع فيه الأحداث، لم تعد الكلمات تنقذ وجه السلطة، بل تُعرّيه.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡