
مثّلت وفاة النبي محمد ﷺ سنة 11 هـ لحظةً فارقة في التاريخ الإسلامي؛ إذ واجه المسلمون لأول مرة سؤالًا وجوديًا حول قيادة الأمة بعد انقطاع الوحي، وهو ما أدى إلى نشأة نظام الخلافة بوصفه امتدادًا دنيويًا للنبوة في تدبير شؤون الجماعة، دون أن يحمل صفات الوحي أو العصمة.
لم يكن هناك نص نبوي مباشر يُحدد آلية واضحة لاختيار الخليفة، ولذلك نشأ نظام الحكم الإسلامي الأول على قاعدة الاجتهاد الجماعي. وقد برزت بيعة أبي بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة كنموذج سياسي انتقالي، توافق عليه كبار المهاجرين والأنصار، فكان التعيين بالتراضي والمشورة، لا بالتوريث ولا بالنص.
وبعد وفاة أبي بكر، استمرت الخلافة الراشدة وفق أنماط متباينة من انتقال السلطة:
- استخلاف مباشر كما فعل أبو بكر لعمر.
- مجلس شورى محدود كما أوصى عمر.
- بيعة عامة في المسجد كما حدث مع علي.
وقد تميزت هذه الفترة (من 11 إلى 40 هـ) بطابع خاص في التاريخ الإسلامي، حيث اجتمعت فيها:
- بساطة الحكم وزهده.
- التقيد بالشورى والعدل.
- مركزية الدين في القرار السياسي.
لكنها لم تخلُ من الأزمات الكبرى، وعلى رأسها الفتنة الكبرى التي بدأت في أواخر عهد عثمان، وبلغت ذروتها في عهد علي، مما مهّد لتحول نظام الخلافة إلى ملك عضوض في العهد الأموي.
السرد التاريخي لفترة الخلافة الراشدة، منذ وفاة النبي ﷺ عام 11هـ حتى استشهاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه عام 40هـ، بأسلوب تحليلي مختصر:
الخلافة الراشدة (11هـ – 40هـ / 632م – 661م)
1. خلافة أبي بكر الصدّيق (11هـ – 13هـ / 632م – 634م)
- تولّى أبو بكر الخلافة بعد اجتماع السقيفة، حيث واجه تحديات كبرى أبرزها:
- حروب الردة ضد من ارتدّوا عن الإسلام بعد وفاة النبي ﷺ.
- تثبيت الدولة الإسلامية داخليًا وتوحيد جزيرة العرب تحت راية واحدة.
- بدء الفتوحات خارج الجزيرة، وخاصة في الشام والعراق، حيث أرسل خالد بن الوليد لمناوشة الفرس.
- استمرت خلافته سنتين، وكان من أبرز قراراته جمع القرآن في مصحف واحد.
2. خلافة عمر بن الخطاب (13هـ – 23هـ / 634م – 644م)
- شهدت خلافته ذروة التوسّع الإسلامي خارج الجزيرة:
- فتح بلاد الشام بعد معركة اليرموك (15هـ).
- فتح العراق وفارس بعد معركة القادسية ونهاوند.
- فتح مصر بقيادة عمرو بن العاص.
- تنظيم الدولة إداريًا: إنشاء الدواوين، التقويم الهجري، بيت المال، تعيين القضاة والولاة.
- اتسم عهده بالعدل والحزم، وكان مثالًا في الزهد والحكم الراشد.
- استُشهد على يد أبي لؤلؤة المجوسي أثناء صلاته، بعد عشر سنوات من الحكم.
3. خلافة عثمان بن عفّان (23هـ – 35هـ / 644م – 656م)
- خلافته شهدت امتدادًا هائلًا للفتوحات، منها:
- فتح أرمينية وقبرص وتوسّع الدولة نحو الشرق.
- جمع القرآن الكريم في مصحف واحد رسمي (مصحف عثمان) وإرساله إلى الأمصار.
- إلا أن نهاية عهده شهدت فتنة داخلية، بسبب اتهامات لبعض الولاة وتوسع نفوذ بني أمية، مما أدى إلى تأليب بعض الأطراف ضده. فكانت محاصرته ثم استشهاده في بيته، لتبدأ بذلك الفتنة الكبرى.
4. خلافة علي بن أبي طالب (35هـ – 40هـ / 656م – 661م)
- واجهت خلافته صراعًا داخليًا غير مسبوق، تمثل في:
- حرب الجمل ضد عائشة وطلحة والزبير الذين خرجوا طلبًا للقصاص من قتلة عثمان.
- صفين ضد معاوية بن أبي سفيان، والي الشام، الذي رفض مبايعته وطلب القصاص أيضًا.
- التحكيم بين الطرفين، الذي زاد الانقسام.
- ظهور الخوارج الذين كفروا الفريقين واغتالوا عليًا بعد خمس سنوات من الفتن.
- بمقتل علي بن أبي طالب، تنتهي الخلافة الراشدة، وتبدأ مرحلة الملك العضوض مع معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية.
ملامح الخلافة الراشدة:
- النظام الشوري في اختيار الخلفاء.
- التوسّع السريع للإسلام في ثلاث قارات.
- البساطة والزهد في الحكم.
- بداية نشوء الفتنة السياسية التي مزّقت وحدة المسلمين لاحقًا.
سلسلة: تاريخ الخلافة والحكم الإسلامي الكبرى