تاريخ الخلافة والحكم الإسلامي: الخلافة الأموية في المشرق - من معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن محمد (41هـ - 132هـ)


الدولة الأموية: من التأسيس إلى السقوط

النشأة والتأسيس (41هـ / 661م)

بدأت الدولة الأموية رسميًا بعد تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان سنة 41هـ، فيما عُرف بعام الجماعة، وذلك حقنًا للدماء وإنهاءً للفتنة التي أعقبت مقتل الخليفة عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب. وقد مثّل ذلك بداية حكم بني أمية، أول سلالة ملكية في الإسلام.

كان معاوية بن أبي سفيان واليًا على الشام منذ عهد عمر بن الخطاب، ويتمتع بخبرة سياسية واسعة، فأسس الدولة الأموية بنظام حكم وراثي، خلافًا لنظام الشورى السابق، ليُعلن نفسه خليفةً للمسلمين ويورّث الحكم لابنه يزيد من بعده، ما أثار جدلًا طويلًا في التاريخ الإسلامي.

توطيد الحكم والتوسع (41–132هـ / 661–750م)

امتد حكم الدولة الأموية قرابة 91 عامًا، وشهدت خلاله توسعًا جغرافيًا هائلًا، وازدهارًا حضاريًا نسبيًا، ولكن تخلله صراعات داخلية وخارجية مستمرة.

معاوية بن أبي سفيان (661–680م)

أسّس جهازًا إداريًا قويًا، ونقل عاصمة الخلافة من المدينة إلى دمشق. عزّز سلطة الدولة، واهتم بالأسطول البحري، وصدّ هجمات البيزنطيين. لكنه أثار أولى بذور الملك الوراثي عندما أوصى بالخلافة ليزيد بن معاوية.

يزيد بن معاوية (680–683م)

شهد عهده أحداثًا دامية مثل موقعة كربلاء التي قُتل فيها الحسين بن علي وأهل بيته، ما أحدث شرخًا عميقًا في الأمة. ثم ثار أهل المدينة في وقعة الحرّة، وقُمعوا بشدة، ووقعت حصارات في مكة والمدينة. توفي يزيد في ظروف غامضة، وتزعزع الحكم.

الفترة الانتقالية المضطربة

خلف يزيد ابنه معاوية الثاني الذي تنازل عن الحكم سريعًا، ثم اندلعت الفتنة بين عدة طامحين للسلطة حتى استتب الأمر لعبد الملك بن مروان.

عبد الملك بن مروان (685–705م)

يُعد من أعظم خلفاء بني أمية. قضى على عبد الله بن الزبير، وأعاد توحيد الدولة. عرب الدواوين، وضرب أول عملة إسلامية عربية خالصة، وأرسى دعائم الدولة المركزية. أسس لبيروقراطية قوية.

الوليد بن عبد الملك (705–715م)

عُرف بعصر الفتوحات الكبرى، وبلغت الدولة الأموية أقصى اتساعها، فدخلت الأندلس بقيادة طارق بن زياد، والهند بقيادة محمد بن القاسم الثقفي، ووصلت حدودها إلى الصين شرقًا. كما أنشأ مشاريع عمرانية كبرى مثل توسيع المسجد النبوي وبناء المسجد الأموي في دمشق.

سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز

جاء بعد الوليد سليمان، ثم الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز (717–720م) الذي يُعد استثناءً في تاريخ الدولة، لإحيائه نهج العدل والزهد النبوي، وإلغائه الظلم الذي مورس ضد غير العرب، لكن حكمه لم يدم سوى عامين.

بدايات الانحدار

بعد وفاة عمر بن عبد العزيز، عاد الحكم إلى قبضة البيت الأموي بشكله الوراثي المتسلط. دخلت الدولة مرحلة من الضعف الداخلي والانقسامات السياسية:

  • تفاقم الصراع بين اليمانية والقيسية (صراعات قبلية داخل الجيش والإدارة).
  • استمرت الثورات الشيعية والخوارج، وأُخمدت بالقوة.
  • ازداد التمييز ضد الموالي (المسلمين غير العرب)، ما عمّق الاحتقان داخل الدولة.
  • كثرت الانقلابات والقلاقل، خاصة في العراق وخراسان.

السقوط (750م / 132هـ)

بلغت ذروة السخط على بني أمية في خراسان، حيث انطلقت الثورة العباسية بقيادة أبو مسلم الخراساني باسم آل البيت، واستطاع العباسيون حشد تأييد واسع من الفرس والشيعة والموالي.

قاد جيش العباسيين عبد الله بن علي وقضى على آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد في معركة الزاب الكبرى سنة 132هـ، ثم قُتل مروان لاحقًا في مصر، لتسقط بذلك الدولة الأموية.

فرّ بعض الأمويين، وكان أبرزهم عبد الرحمن الداخل الذي أسّس لاحقًا دولة أموية مستقلة في الأندلس سنة 138هـ.




سرد تاريخي منظّم للخلفاء الأمويين منذ قيام الدولة سنة 41هـ / 661م حتى سقوطها في المشرق سنة 132هـ / 750م،


1- معاوية بن أبي سفيان 

تولي الخلافة: 661-680م (20 سنة)
أول خلفاء بني أمية ومؤسس الدولة، تولى الحكم بعد تنازل الحسن بن علي، وكان واليًا على الشام طيلة خلافة الخلفاء الراشدين. رسّخ نظام الملك الوراثي، ونقل مركز الثقل السياسي إلى دمشق.
من مآثره: تأسيس الدولة الأموية، توحيد المسلمين بعد الفتنة الكبرى، تنظيم الدواوين والجيش.
المآخذ عليه: ابتداع التوريث، تغليب المصالح السياسية على المبادئ، تشجيع سبّ علي على المنابر.

2- يزيد بن معاوية

تولي الخلافة: 680-683م (3 سنوات)
ورث الحكم عن أبيه، وكان عهده مليئًا بالاضطرابات، أبرزها ثورة الحسين وثورة ابن الزبير. انتهت هذه الثورات بكوارث دموية هزّت الأمة وزادت الانقسام.
من مآثره: الحفاظ على تماسك الشام، مواصلة بناء الدولة المركزية.
المآخذ عليه: مذبحة كربلاء، واقعة الحرة، حصار الكعبة، ضعف القيادة السياسية والدينية.

3- معاوية بن يزيد

تولي الخلافة: 683-684م (أقل من سنة)
شاب زاهد عرف بورعه وتقواه، لم يلبث في الحكم إلا قليلًا ثم تنازل عنه مختارًا، لرفضه الاستمرار في سلسلة الدماء التي أعقبت حكم والده.
من مآثره: اعتزاله الحكم طواعية، عدم تلوثه بالفتن، موقف أخلاقي فريد.
المآخذ عليه: ضعف القدرة على المواجهة، ترك الدولة في فراغ قيادي شديد.

4- مروان بن الحكم

تولي الخلافة: 684-685م (سنة واحدة)
استُدعي من المدينة لتسوية الصراع بعد وفاة معاوية الثاني، فواجه أنصار ابن الزبير وانتصر في معركة مرج راهط، ومهّد لحكم نسله.
من مآثره: إعادة توحيد الشام، تثبيت الحكم الأموي بعد الاضطراب، تمهيد الطريق لعبد الملك.
المآخذ عليه: تحالفات قبلية مؤقتة، البطش بالمعارضين، فترة قصيرة بلا إنجازات مؤسسية.

5- عبد الملك بن مروان

تولي الخلافة: 685-705م (20 سنة)
واحد من أعظم خلفاء بني أمية، بدأ عهده في ظل تمزق داخلي شديد، ثم وحّد الدولة بالقوة والإصلاح. عرف بعقليته الإدارية وصرامته في فرض النظام.
من مآثره: تعريب الدواوين، سك النقود الإسلامية، بناء قبة الصخرة، هزيمة ابن الزبير.
المآخذ عليه: الاعتماد المفرط على الحجاج، تشديد القبضة الأمنية، قمع المعارضة بقسوة.

6- الوليد بن عبد الملك

تولي الخلافة: 705-715م (10 سنوات)
بلغت الدولة الأموية أوج قوتها الإقليمية في عهده، واشتهر بفتوحاته وبنائه للمساجد الكبرى. اهتم بالعمران والإنفاق على البنية التحتية العامة.
من مآثره: فتح الأندلس والسند، توسعة المسجد الحرام والنبوي، دعم المعاقين والفقراء.
المآخذ عليه: قلة اهتمامه بالعلماء، اعتماده الكامل على الحجاج، الميل إلى الترف.

7- سليمان بن عبد الملك

تولي الخلافة: 715-717م (سنتان)
خليفة شاب محب للترف والمظاهر، لكنه اتخذ قرارًا مهمًا باختيار عمر بن عبد العزيز وليًا للعهد، فكان ذلك نقطة تحول نحو العدل والإصلاح.
من مآثره: حسن اختيار الخليفة بعده، دعم الفتوحات في آسيا الوسطى.
المآخذ عليه: انشغاله بالبذخ، ضعف القيادة السياسية، تجاهل الأزمات الاقتصادية.

8- عمر بن عبد العزيز

تولي الخلافة: 717-720م (قرابة 3 سنوات)
لقّب بخامس الخلفاء الراشدين، أعاد للناس الثقة بالحكم، فخفض الضرائب، وأوقف الفتوحات الإجبارية، ورد المظالم. كان زاهدًا عادلًا محبوبًا.
من مآثره: نشر العدل، رد الحقوق، وقف ظلم الولاة، تعزيز مكانة العلم.
المآخذ عليه: قصر المدة حالت دون ترسيخ الإصلاحات، عدم القدرة على احتواء التيارات المعارضة للنظام.

9- يزيد بن عبد الملك

تولي الخلافة: 720-724م (4 سنوات)
خليفة شاب عاش مترفًا، وحاول في البداية السير على نهج سلفه عمر بن عبد العزيز، لكنه سرعان ما عاد إلى نهج الدولة المركزي التقليدي.
من مآثره: الإبقاء على بعض الإصلاحات الإدارية، الحفاظ على الاستقرار العام.
المآخذ عليه: ضعف الحزم، الانشغال باللهو، إهمال شؤون الدولة العليا.

10- هشام بن عبد الملك

تولي الخلافة: 724-743م (19 سنة)
إداري محنك ومثقف، حافظ على وحدة الدولة رغم تنامي الاضطرابات، واهتم بالعلم والاقتصاد، ووسّع الفتوحات شرقيًا وغربيًا.
من مآثره: دعم العلم، تنظيم المالية، صد الثورات، تقوية الجيش.
المآخذ عليه: شدة البطش، بداية التمييز ضد غير العرب، تجاهل مؤشرات الانهيار الاجتماعي.

11- الوليد بن يزيد

تولي الخلافة: 743-744م (قرابة سنة)
اشتهر بفسقه ومجونه، وتُروى عنه ممارسات مستفزة دينيًا وأخلاقيًا، مما جعل الناس يثورون عليه ويقتلونه.
من مآثره: لا تُذكر له مآثر ذات قيمة تاريخية.
المآخذ عليه: المجون، الاستهزاء بالمقدسات، العبث السياسي والديني.

12- يزيد بن الوليد (الناقص)

تولي الخلافة: 744م (أشهر قليلة)
سُمّي بالناقص لأنه أنقص أعطيات الجنود، وكان يحاول إصلاح ما أفسده سلفه، لكنه لم يتمكن من تثبيت حكمه.
من مآثره: محاربة الفساد، عزل بعض الولاة الظلمة.
المآخذ عليه: ضعف الحزم، قطع الأعطيات، فشل في إرضاء الجيش.

13- إبراهيم بن الوليد

تولي الخلافة: 744م (أقل من شهرين)
تولى في ظرف استثنائي عقب صراع دموي، لكنه لم يثبت له حكم، وسرعان ما أطاح به مروان بن محمد.
من مآثره: لا تُذكر له مآثر واضحة لضيق المدة.
المآخذ عليه: ضعف الشخصية، انعدام القرار، العجز عن مواجهة التحديات.

14- مروان بن محمد (الحمار)

تولي الخلافة: 744-750م (6 سنوات)
آخر خلفاء بني أمية، كان قائدًا عسكريًا شديد البأس، وحاول قمع الثورات المتصاعدة، لكنه فشل في إيقاف الموجة العباسية الجارفة.
من مآثره: الصمود في وجه العباسيين، قتال الخوارج، كفاءة عسكرية.
المآخذ عليه: إهمال أسباب السخط الشعبي، تجاهل المظالم، تأخر الإصلاح.

خاتمة

مثّلت الدولة الأموية تجربة ضخمة في إدارة الإمبراطورية الإسلامية، جمعت بين الحكم العربي القومي والطابع الأموي الوراثي، فكانت من جهة دولة فتوح وازدهار عمراني، ومن جهة أخرى نموذجًا سلطويًا أدى إلى استياء واسع من قبل الشعوب الإسلامية غير العربية، وهو ما مهّد لسقوطها. لقد غلب على بني أمية البعد السياسي الملكي أكثر من الروح الراشدة للشورى والعدل، فكانت نهايتهم نتيجة طبيعية لصراعات الداخل واحتقان الأطراف.

سلسلة: تاريخ الخلافة والحكم الإسلامي الكبرى

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.