الإسلام بين العبادة والسياسة: لماذا يريدون منا أن نكون عباداً فقط؟

تُطرح على المسلمين اليوم صيغة مقلقة ومتكررة: أن يكونوا ملتزمين دينياً وعباداً فقط، لكن بلا أي دور في صناعة القرار السياسي أو إدارة الدولة. هذه الرؤية المقيدة ليست صدفة، بل جزء من استراتيجية عالمية لإبقاء الإسلام ضمن دائرة الفردانية الدينية، وحرمانه من البعد السياسي الحضاري الذي لطالما شكّل هويته التاريخية.


فصل الدين عن السياسة: مفارقة الغرب الحديث

نشأت الحداثة الأوروبية على قاعدة فصل الدين عن السياسة، مع تبني العلمانية كأداة للتحكم المجتمعي. لكن هذا الفصل، رغم ما يروج له من حرية، لم يكن متساوياً في التطبيق، بل استُخدم كأداة لاحتواء الدين خارج المؤسسات وصنع القرار.

في حالة الإسلام، لم يُكتفِ الغرب بهذا الفصل النظري، بل دفع باتجاه أن يكون المسلم مجرّد عبد مخلص يُمارس شعائره في المساجد والبيوت، بعيداً عن الشأن السياسي والاجتماعي.


لماذا يريدون المسلم عبدًا فقط؟

  1. تحييد الخطاب الإسلامي السياسي: عندما يقتصر دور المسلم على العبادة الفردية، يتم تجريد الإسلام من أية قوة تأثير مجتمعي وسياسي، مما يضمن بقاء الأنظمة الحاكمة والنفوذ الغربي بلا منازع.
  2. إلغاء المشروع الحضاري: الإسلام كان على الدوام مشروعاً حضارياً شاملاً يشمل العدالة، الاقتصاد، السياسة، والقانون. تقليص المسلم إلى العبودية الروحية فقط يعني قطع صلته بأي مشروع بديل للنظام العالمي.
  3. التقليل من المطالب الاجتماعية: عبودية الفرد تنعكس على النظام السياسي، فيصير مجرد متلقي أوامر لا ناقش ولا يُشارك في رسم السياسات.


الإسلام والسياسة: وحدة لا انفصال

الإسلام لا يفصل بين الدين والسياسة كما في العلمانية الغربية، بل هو منظومة متكاملة تُنظّم علاقة الفرد بالمجتمع والدولة والحاكم. حضور المسلم في الحياة السياسية هو حق وواجب ديني، ومصدر شرعية الحكم مرتبط بالمبادئ الإسلامية.

إن فصل المسلم عن السياسة يعني حجب أدوات التحكم في المجتمع عن المواطنين، وتحويلهم إلى رعية لا أهل قرار.


تأثير هذه الرؤية على المجتمعات الإسلامية

  • ضعف الأنظمة السياسية: نتيجة غياب المشاركة الحقيقية للمواطنين، مما يفتح المجال للفساد والاستبداد.
  • تفكك الهوية: عندما يُختزل المسلم إلى عبد في حياته الروحية فقط، تفقد الأمة جزءاً أساسياً من حيويتها الثقافية والسياسية.
  • تمكين النفوذ الخارجي: لأن العباد لا يُهددون النظام القائم، ويتقبلون الوصاية الخارجية بسهولة.

النتيجة: إقصاء المسلمين عن صناعة مصيرهم

التقليص المتعمد لدور المسلمين في السياسة ليس مجرد تهميش، بل هو محاولة مدروسة لتفريغ الدين من بُعده الاجتماعي والسياسي. والهدف واضح: أن يكون الإسلام مذهباً للعبادة فقط، لا مشروع قوة قادر على مواجهة الاستعمار الثقافي والسياسي.


الخاتمة:

في جوهر الدعوة الإسلامية التاريخية، السياسة والعبادة وجهان لعملة واحدة. إن محاولات فصل المسلمين عن الشأن السياسي ليست سوى سعي مستمر لجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، عباداً بلا حق تقرير، لا مساهمين في بناء دولة عصرية مستقلة.

التحدي اليوم هو رفض هذا الفصل الجائر، واستعادة مكانة الإسلام الكامل كمشروع حياة، سياسي وروحي في آن واحد.

أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال