لماذا يُجرّم الإسلام السياسي؟ من فزاعة الإرهاب إلى هندسة الطاعة

ليس من قبيل الصدفة أن يُجرَّم الإسلام السياسي في الخطاب العالمي، لا سيما الغربي، ويُوصف بأنه الخطر الأكبر على "النظام الدولي" أو "قيم الحداثة". فالتحامل عليه يتجاوز كونه موقفًا من تيارات بعينها إلى كونه موقفًا أيديولوجيًا من كل مشروع إسلامي يطمح إلى استعادة السيادة الحضارية. والمفارقة أن التجريم لا يكون استنادًا إلى الممارسة السياسية فحسب، بل إلى الفكرة ذاتها، لمجرد أنها تخرج عن حدود النسق العلماني الذي رسمته القوى المهيمنة لما يجب أن يكون عليه "الدين المقبول".


الإسلام السياسي: من المقاومة إلى الوصمة

ظهر الإسلام السياسي في العصر الحديث كرد فعل طبيعي على سقوط الخلافة، وكتعبير عن حاجة المسلمين إلى استعادة هويتهم السياسية بعد قرون من الاستعمار والتبعية. ورغم تعدد تياراته وتنوع مواقفه، إلا أن "التجريم" الإعلامي والسياسي لاحقه في كل صورة، سواء كانت معتدلة أو ثورية.

المعادلة بسيطة: الإسلام الذي يُطالب بالأخلاق الفردية فقط هو مقبول، أما الذي يُطالب بتحرير الأرض أو بناء نظام سياسي مستقل، فهو متهم حتى تثبت تبعيته.


أدوات التجريم: السردية والرمزية

تم تجريم الإسلام السياسي عبر سردية إعلامية عالمية تكرّس عدة مفاهيم مشحونة:

  • الإرهاب والتطرف: حيث يتم دمج كل الحركات الإسلامية، بلا تمييز، في سلة واحدة، تُربط تلقائيًا بالعنف.
  • اللاعقلانية: وصف الإسلاميين بأنهم ضد العلم والتقدّم، رغم أن كثيرًا من رموزهم أتوا من خلفيات علمية وفكرية.
  • الطوباوية الخطِرة: أي أن فكرة الدولة الإسلامية "خيالية" لكنها في الوقت ذاته تُعد "خطرًا واقعيًا"، في تناقض يكشف البعد الأيديولوجي لا الواقعي.

هذا الخطاب يهدف إلى حرمان الإسلام السياسي من المشروعية حتى قبل أن يُختبر.


لماذا الخوف من الإسلام السياسي؟

الخوف لا ينبع من كونه مشروعًا عنيفًا، بل من كونه مشروعًا مستقلًا:

  1. استقلال المرجعية: لا يستمد مشروعيته من الأمم المتحدة أو الغرب أو الفكر المادي، بل من تصوّر ديني عابر للحدود، وهو ما يهدد النظام الدولي القائم على الهيمنة العلمانية.
  2. امتداد جماهيري: الإسلام السياسي ليس نخبويًا، بل شعبي الطابع، يُخاطب عامة الناس بلغتهم وقيمهم، ويُهدد شرعية الأنظمة القائمة.
  3. القدرة على التحول إلى دولة: عكس كثير من الحركات الاحتجاجية، يملك الإسلام السياسي تصورات بديلة عن النظام السياسي، مما يجعله منافسًا حقيقيًا لا مجرد حالة فوضى.


الغرب: من الشيطنة إلى التوظيف

رغم تجريم الإسلام السياسي، فإن العلاقة الغربية به ليست عدائية على طول الخط. في فترات معينة، وخصوصًا أثناء الحرب الباردة، تم توظيف الإسلاميين لمواجهة القومية العربية أو الشيوعية. ثم حين تجاوزوا الدور المرسوم، تحوّلوا إلى "إرهابيين".

بمعنى آخر، المشكلة ليست في الإسلام السياسي، بل في مدى طاعته للسياق الدولي المفروض. فإن أطاع، تم تسويقه كـ"إسلام معتدل"، وإن تمرّد، جرى تجريمه.


البديل: إسلام منزوع السيادة

في مقابل الإسلام السياسي، يُسوّق لإسلام "مُدجّن"، منزوع الطموح الحضاري، يُركّز على الفردية، العبادة، والتنمية الذاتية، دون أن يطالب بتحرير فلسطين أو إنهاء التبعية الاقتصادية أو مواجهة التغريب الثقافي.

إنه الإسلام الذي تريده مراكز القوة: إسلام خاضع، لا حاكم؛ متدين لا سياسي؛ تابع لا مبادر.


الخاتمة:

تجريم الإسلام السياسي ليس مسألة أخلاقية أو أمنية، بل مسألة سيادية، تتعلق بحق المسلمين في تصور نظامهم السياسي والاجتماعي على غير النموذج الغربي. فما يُجرَّم في الحقيقة ليس الإرهاب، بل الطموح إلى الاستقلال. وليس العنف، بل السعي لاستعادة المعنى الحضاري.

وحين يُمنع الإسلام السياسي من التعبير والمنافسة، تُفتح الأبواب لتطرف بديل هو مجرد انفجار فوضوي، في حين يُغتال المشروع الجاد الذي يحمل رؤية متكاملة.

أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال