
أولًا: التبعية المعرفية والثقافية
بعد قرون من الاستعمار العسكري والسياسي، أعيد تشكيل العالم الإسلامي ضمن نظام معرفي غربي، بحيث أصبح فهمنا لذواتنا وتاريخنا وقضايانا يمر عبر عدسات الآخر.
الجامعات، مراكز الأبحاث، الإعلام، والمنتجات الثقافية – جميعها تعمل في الغالب وفق مناهج وتصورات مستوردة، مما يجعل إنتاج خطاب مستقل مستحيلًا دون ثورة معرفية حقيقية.
إن من لا يملك أدوات المعرفة، لا يملك قدرة التأثير في الرأي العام العالمي.
ثانيًا: غياب المشروع الحضاري الجامع
العالم الإسلامي اليوم ليس كيانًا متماسكًا، بل فسيفساء من الدول والأنظمة ذات المصالح المتنافرة، والتي ترتبط في الغالب بالدوائر الغربية سياسيًا واقتصاديًا.
لذلك فإن غياب مشروع حضاري موحِّد يؤدي تلقائيًا إلى غياب خطاب عالمي موحد. فكل خطاب سياسي أو ثقافي يصدر غالبًا محكوم باعتبارات محلية أو تبعية إقليمية.
ثالثًا: الخطاب الديني المُحتَجز
رغم غزارة الإنتاج الديني في العالم الإسلامي، إلا أن الخطاب الديني نفسه لا يملك بعدًا عالميًا واضحًا، بل هو في الغالب محلي، دفاعي، وتبريري.
من النادر أن نجد خطابًا إسلاميًا يخاطب البشرية جمعاء، أو يُقدّم الإسلام كحل حضاري شامل لقضايا الإنسان (كالعدالة، الاقتصاد، البيئة، الفردانية، التفكك الأسري...)، بل غالبًا ما يُقدَّم الإسلام كهوية مهددة بحاجة إلى حماية.
رابعًا: الإعلام كقناة خطاب.. أم كأداة تبعية؟
يمتلك الغرب شبكات إعلامية ضخمة تُعيد تشكيل وعي العالم وفق مصالحه، بينما العالم الإسلامي يعاني من إعلام تفاعلي لا تحريري، يُكرر الأخبار أو يهاجم الخطاب الغربي دون أن ينتج بديلًا جذابًا أو مفهومًا عالميًا خاصًا به.
بل إن كثيرًا من إعلام العالم الإسلامي يعيد إنتاج القوالب الغربية نفسها، في السياسة والثقافة والجمال، ما يجعله جزءًا من الخطاب الذي يفترض أن يناقضه.
خامسًا: غياب اللغة المشتركة بين النخبة والشعوب
النخبة الثقافية في العالم الإسلامي – في كثير من الأحيان – تتكلم بلغة غريبة عن واقع شعوبها، إما من خلال التغريب أو التجريد الأكاديمي.
والشعوب من جهتها تُهمّش في بناء الخطاب لأنها لا تُمتلك أدوات التأثير العالمي. وهكذا يُفقد الخطاب الإسلامي قوته الجماهيرية وقدرته على التشبيك الحضاري العابر للحدود.
سادسًا: القمع السياسي وتضييق المجال العام
كيف يمكن إنتاج خطاب عالمي في ظل أنظمة تمنع الخطاب الحر حتى في الداخل؟ إن الخطاب المستقل لا يُولد في الفراغ، بل يحتاج إلى مساحات من الحرية، ومؤسسات دعم، ومناخ حيوي.
والسلطات الحاكمة – في كثير من الدول الإسلامية – تعتبر أي خطاب مستقل تهديدًا، سواء كان دينيًا، ثقافيًا أو سياسيًا، ما يؤدي إلى خنق كل مبادرة فكرية تريد أن تتجاوز الحدود الرسمية.
الخاتمة:
إن غياب الخطاب العالمي المستقل للعالم الإسلامي ليس نتيجة نقص في الرؤية أو القيم، بل نتيجة خلل عميق في البنية المعرفية والسياسية والاجتماعية التي يعيشها.
ولن يتمكّن المسلمون من التأثير في العالم حتى يُحرّروا خطابهم من التبعية، ويوظفوا الإسلام كمنظومة شاملة تقدم حلولًا للإنسانية، لا مجرد شعارات لهوية مهددة.
فالعالم لا ينتظر من المسلمين أن يشرحوا أنفسهم، بل أن يُقدّموا أنفسهم كقوة تفسيرية لما يجري، تملك رؤية تتجاوز حدود الجغرافيا والمظلومية.