من يصنع الترند في العالم العربي؟ شبكات النفوذ وراء الثقافة السطحية

في العالم العربي، لا يكاد يخلو يوم من ترند جديد يشغل الناس، ويستهلك أعمارهم في النقاش والجدل والمشاعر. لكن حين نتأمل هذا السيل من المواضيع "الرائجة"، نكتشف أنها في الغالب سطحية، عابرة، منفصلة عن القضايا المصيرية التي تمس الوعي والكرامة والمستقبل. فكيف تتشكل هذه الظواهر؟ ومن يصنع "الترند"؟ وهل هي تعبير عن نبض الناس فعلًا، أم أنها أداة توجيه تُدار من خلف الستار؟ هذا المقال يحاول تفكيك شبكات النفوذ التي تصنع ثقافة الترند، وتحول الشعوب إلى جمهور مستهلك لا مفكر.

أولًا: الترند ليس عفويًا كما يبدو

تروّج وسائل التواصل لفكرة أن الترند هو انعكاس مباشر "لما يهتم به الناس"، لكن الواقع أبعد من ذلك.
فالترند اليوم يُصنّع خوارزميًا، ويُدفع له ماليًا، وتدعمه حسابات ضخمة منظمة، تُعيد النشر والتفاعل وفق استراتيجية محددة.
بمعنى آخر: الترند ليس ما يقوله الناس، بل ما يُراد للناس أن يقولوه.


ثانيًا: من يدير دفة الاهتمام؟ شبكات النفوذ الإعلامي

في خلفية الترند العربي تقف شبكات ضخمة من:

  • الحسابات الوهمية والمُمولة (Bots)
  • المنصات الإعلامية المرتبطة بأنظمة أو رجال أعمال
  • شركات التسويق السياسي والدعائي
  • غرف العمليات السيبرانية المرتبطة بمصالح إقليمية ودولية

هذه الأطراف تحدد ما يُطرح، ومتى، وكيف يُضخ، وما الذي يجب أن يُطمس في المقابل.
هكذا تتحول "السوشيال ميديا" من فضاء حرّ إلى ساحة سيطرة ناعمة.


ثالثًا: ماذا يريد صانعو الترند؟

الهدف ليس فقط الترفيه، بل إعادة توجيه العقل الجمعي بعيدًا عن القضايا الحقيقية.

  • عندما تشتعل قضية حقوقية أو سياسية، يُطلق ترند عن زواج فنانة
  • وعندما تخرج مظاهرة أو مقاومة، يُغرق الفضاء بترند راقص أو ساخر
  • وعندما تتصاعد أزمة اقتصادية، تُطرح تحديات ساذجة أو مواضيع مثيرة للجدل الأخلاقي

الرسالة واضحة: ابقوا مشغولين بما لا يُهدد أحدًا.


رابعًا: الثقافة السطحية.. عرض أم نتيجة؟

ليست الثقافة السطحية مجرد نتيجة لترندات عشوائية، بل هي منتَج مُصمَّم، تُغذيه منظومات كاملة:

  • إعلام يروّج للفضائح ويُهمّش القضايا الفكرية
  • دراما تُسَطِّح الإنسان وتحوّله إلى كائن استهلاكي
  • منصات تكرّس "المؤثرين" السطحيين كمراجع اجتماعية
  • خوارزميات تفضل التفاعل السريع لا العمق النقدي

وهكذا يُعاد تشكيل الذوق والاهتمام العربي تحت سقف سوق استهلاك الوعي.


خامسًا: من الذي يُقصى من الترند؟

  • المفكرون
  • المقاومون
  • من يطرح أسئلة جوهرية
  • من يكشف آليات التلاعب

كل هؤلاء لا مكان لهم في الترند، بل يُقصَون، يُسخَّف طرحهم، أو يُتهمون بالتحريض والكآبة.
لأنهم لا يخدمون ماكينة الإلهاء، بل يعطّلونها.

 

الخاتمة:

الترند في العالم العربي لم يعد مرآة لما يريد الناس، بل أداة لصناعة ما يُفترض أن يريدوه.
وفي زمن السطوة الرقمية، لم تعد المعركة فقط على الجغرافيا أو الاقتصاد، بل على ما تفكر فيه وأنت جالس في بيتك.
وإذا لم يدرك الإنسان أن عقله يُستهدف عبر الترند، فسيبقى عبدًا لمن يقرر عنه ماذا يهم، وماذا يُنسى.

أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال