هل وصلت الحرب الإيرانية الإسرائيلية إلى نقطة التوازن؟

قراءة في حدود القوة ومأزق الحسم : 

في خضم الصدام المفتوح بين إسرائيل وإيران، وبعد أسابيع من القصف المتبادل والضربات العميقة، يخيّل للناظر أن الحرب تتّجه إلى الحسم، غير أن الواقع يقول شيئًا مختلفًا تمامًا: لقد دخل الطرفان في ما يشبه "نقطة التوازن"، حيث تعجز إسرائيل عن كسر شوكة إيران، بينما تعجز إيران عن ردع الآلة العسكرية الإسرائيلية. فهل هذا التوازن مؤقت أم مستقر؟ وما الذي يمنع الحسم رغم تفوّق إسرائيل التكنولوجي والعسكري؟


القوة التي لا تحسم: مأزق إسرائيل الاستراتيجي

منذ بداية التصعيد، كان المتوقع أن تلجأ إسرائيل إلى ضربة خاطفة موجعة تُحدث شللًا في البنية التحتية العسكرية الإيرانية، أو أن تمهّد لسيناريو تغييري داخلي من خلال إنهاك الدولة. لكنها وجدت نفسها في موقف غير معتاد:

  • البنية التحتية الإيرانية موزعة جغرافيًا وبعمق جغرافي يجعل استهدافها الكامل أمرًا معقدًا.
  • منظومة الدفاع الجوي الإيرانية أثبتت قدرة على امتصاص الضربات، رغم محدوديتها مقارنة بنظيرتها الإسرائيلية.
  • الرد الإيراني، وإن لم يكن بنفس الحدة، كان كافيًا لإبقاء الجبهة مفتوحة واستنزاف الجانب الإسرائيلي.

وهنا يظهر مأزق الحسم: إسرائيل تملك التفوق، لكنها تفتقر إلى السيناريو النهائي. فكل تصعيد عسكري دون نهاية سياسية هو نزيف مفتوح بلا جدوى.


الردع دون نصر: استراتيجية إيران في إدارة الحرب

على الجانب الآخر، تدرك إيران أنها لا تستطيع هزيمة إسرائيل عسكريًا، لكنها لا تسعى لذلك.

  • الهدف الإيراني ليس الانتصار، بل البقاء والردع، أي تحييد قدرة إسرائيل على فرض الشروط.
  • الحرب تحولت إلى فرصة داخلية للنظام الإيراني لإعادة ترتيب الصف الداخلي، وصناعة خطاب وطني موحد ضد "العدو الخارجي".
  • في الخطاب الخارجي، حرصت طهران على استثمار الانقسام العالمي حول شرعية إسرائيل بعد مجازر غزة، وكسب تعاطف شعبي متصاعد.

بمعنى آخر، تحارب إيران من أجل ألا تُهزَم، لا من أجل أن تنتصر.


التوازن الهش: لماذا لا تتوسع الحرب؟

رغم كل التوتر، لا تزال الحرب ضمن نطاق مضبوط. لماذا؟

  • الولايات المتحدة لا تريد حربًا كبرى تعيد ترتيب الشرق الأوسط خارج سيطرتها.
  • روسيا والصين غير مستعدتين لخسارة إيران أو لإطلاق نزاع عالمي.
  • حتى إسرائيل، التي تبدو مندفعة، تدرك أن توسيع الحرب يعني دخول لاعبين جدد قد يفقدونها السيطرة.
  • وأخيرًا، لا يوجد طرف مستعد لتبنّي كلفة الفراغ الذي سيخلفه انهيار إيران، لا عسكريًا ولا اقتصاديًا.

بالتالي، نحن أمام توازن قلق: كل طرف يضرب... لكن بحساب.


الخاتمة: حين تصبح القوة عبئًا

ما يجري اليوم ليس سباقًا نحو النصر، بل سباقًا نحو تجنّب الخسارة الكبرى.
إسرائيل تملك أقوى سلاح، لكنها لا تملك القدرة على إنهاء الحرب دون فتح أبواب الجحيم.
وإيران تملك إرادة البقاء، لكنها لا تملك أدوات النصر.
وفي هذه المعادلة، يولد "توازن الردع"، لا من تكافؤ القوة، بل من الخوف المشترك من الفوضى.

قد تستمر الضربات، وتتغير الوجوه، وتتناوب الأهداف، لكن "اللا نصر" هو عنوان المرحلة حتى إشعار آخر.

*
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال