
الصمت المُكلّف والمواقف الرمادية :
بينما تتطاير الصواريخ وتشتعل الجبهات بين إيران وإسرائيل، تراقب القوى الكبرى من بعيد، متجنبة التورط المباشر، مكتفية بتصريحات عامة، وتوازنات دقيقة. فكيف تنظر كل من أمريكا، روسيا، الصين، وأوروبا إلى هذه الحرب؟ وما هي حساباتهم العميقة خلف هذا "الصمت المحسوب"؟ ولماذا لا تتدخل أي من هذه القوى رغم إدراكها لحجم الخطر؟
أولًا: الولايات المتحدة – بين الحليف المدجّن والردع المضبوط
- رغم الدعم الكامل لإسرائيل، ترفض واشنطن أي توسّع في الحرب يمكن أن يشعل المنطقة بأكملها.
- تعمل أمريكا على خطين متوازيين:
- ضمان تفوق إسرائيل عبر الدعم الاستخباراتي والسلاح.
- منع انهيار إيران لأن الفوضى بعد ذلك قد تخرج عن السيطرة، وتؤثر على استقرار العراق والخليج.
- لهذا نجد الإدارة الأمريكية تمارس سياسة "الكبح الناعم"، حيث تُلوّح بالدعم، وتُخفي حدود التدخل.
الخلاصة: واشنطن تريد حربًا تُنهك إيران، لا تُسقطها.
ثانيًا: روسيا – الخصم الصامت الذي يراقب انهيار النظام الدولي
- روسيا تراقب الحرب كمن يشاهد خصومه يحرقون بعضهم.
- كلما طال أمد الصراع، ازدادت عزلة أمريكا في الشرق الأوسط، وضعفت هيبتها الدولية.
- لكن موسكو تخشى أيضًا أن يؤدي سقوط إيران إلى تغوّل إسرائيلي أمريكي على حدودها الجيوسياسية.
الخلاصة: روسيا لا تريد الانتصار لأي طرف، بل إطالة أمد الاستنزاف.
ثالثًا: الصين – التاجر البارد وحسابات الطاقة
- الصين معنية بأمن الطاقة أكثر من المواقف الأخلاقية أو التحالفات الأيديولوجية.
- أي تهديد لحركة الشحن في مضيق هرمز أو قناة السويس، يعني ضربة لاقتصادها.
- لذا تحرص بكين على الظهور كـ"وسيط هادئ"، لكن دون ممارسة ضغط حقيقي.
الخلاصة: الصين تريد الهدوء بأي ثمن، لا النصر لأي طرف.
رابعًا: أوروبا – العاجز الذي يتكلم
- تعيش أوروبا في مأزق التبعية الأمريكية من جهة، وتداعيات الحرب على أمنها الطاقي من جهة أخرى.
- هي تدين العنف، وتدعو للحلول الدبلوماسية، لكن لا تملك أوراق ضغط حقيقية.
- بعض العواصم الأوروبية باتت تخشى من تمدد الحرب إلى حدود المتوسط.
الخلاصة: أوروبا تُسجّل موقفًا لا تأثير له، وتنتظر أن تنتهي الحرب دون أن تُستشار.
الخاتمة: الحرب التي تصوغ مواقف بلا جيوش
ليست كل الحروب تقاس بعدد القتلى والصواريخ. أحيانًا، الحروب تكشف حجم الفراغ الاستراتيجي عند القوى العظمى.
فبين الحذر الأمريكي، والتربّص الروسي، والحسابات الصينية، والعجز الأوروبي، تبدو القوى الكبرى وكأنها تدير حربًا بالوكالة، دون أن تُعلن ذلك.
إنه زمن المواقف الرمادية... لا الحروب العالمية.