كيف يمكن أن تصبح بعض الحروب خدمة مجانية لخصومك؟

حين تختار الحرب التي تخدم أعداءك: متى تكون المعركة مكيدة لا نصرًا؟

في التاريخ الاستراتيجي، لم تكن كل الحروب التي خاضتها القوى الكبرى انتصارات فعلية. بل إن بعضها، رغم الفوز العسكري فيها، تحوّل إلى خسارة استراتيجية طويلة الأمد. والسبب؟ أن العدو الحقيقي لم يكن على الأرض التي غزيت، بل على الضفة الأخرى يراقب ويستفيد.
السؤال الأهم إذًا ليس فقط: هل سننتصر؟ بل: لمن سيعود نفع هذا الانتصار، ولو بعد حين؟


الحروب ليست دائمًا بين جيشين

في الظاهر، الحرب معركة بين جيشين، لكن في العمق، هي اختبارٌ للموارد، للرؤية البعيدة، لتحمّل الاستنزاف، ولحُسن اختيار المسرح والتوقيت.
بعض الحروب تُخاض كأنها "ردّ فعل"، لكنها في الحقيقة ردّ فعل مدبَّر من خصم ثالث… لا يُقاتل، لكنه يربح.


مكر الحروب: حين تستنزف نفسك وتُنقذ خصمك

من يفتح جبهة طويلة بلا أفق، في لحظة ضعف داخلي، يقدّم لأعدائه ما لم يحلموا به:

  • استنزاف مادي طويل بلا نتائج حاسمة.
  • تفكك سياسي داخلي بسبب طول المعركة.
  • تهتك الصورة الأخلاقية أمام الشعوب.
  • وترك المسارح الأهم خالية للخصوم.

وهذا تمامًا ما فعلته بعض الحروب الأمريكية (كأفغانستان والعراق)، إذ استُدرجت قوة كبرى إلى ساحات تُكلّف أكثر مما تُنتج، بينما كانت قوى أخرى (كالصين وروسيا) تُعيد بناء مواقعها في الظل.


هل الحرب دائمًا دليل قوة؟ أم مؤشر ذُعر؟

من يظن أن الذهاب إلى الحرب دليل على السيطرة، ينسى أن أغلب الحروب العظمى اندلعت في لحظات قلق داخلي:

  • ذهبت أمريكا إلى العراق بعد ضربة نفسية في 11 سبتمبر.
  • خاضت روسيا أوكرانيا بعد ضغط استراتيجي متزايد على حدودها.
  • وربما تتورّط قوى أخرى في المستقبل تحت وقع "استفزاز محسوب".

الحرب ليست دومًا خيار القوة، بل أحيانًا هي صراخ الهيبة حين تهتز.
والخصم الذكي لا يردعك فقط… بل يدفعك للحرب التي تختارك أنت ضحية فيها.


الفرق بين معركة تُربح... وصراع يُخسر

قد تربح جولة. قد تدمّر هدفًا. لكن إن أرهقك الوقت، وانهكك الداخل، واستثمر خصمك في فوضاك، فأنت لم تنتصر.
ربح الحرب لا يُقاس بالدخان، بل بمن يملك النفس الطويل بعده.


كيف نعرف أن الحرب كانت فخًا؟

  1. إذا خرجت منها أضعف سياسيًا من يوم دخولك.
  2. إذا أنفقت أكثر مما استفدت، واهتزّت عملتك.
  3. إذا انشغلت عن خصمك الحقيقي بمسرح جانبي.
  4. إذا أصبح من يُفترض أنه "هدفك" أكثر نفوذًا بعد الحرب.
  5. إذا وجد خصومك وقتًا لتوسيع مشاريعهم بينما أنت منشغل بالنار.

خاتمة:

ليست كل معركة تُخاض هي معركة يجب أن تُخاض.
فبعض المعارك لا تُربح فيها، بل تُربح عليك… قبل أن تبدأ.
والحرب الذكية ليست أن تنتصر، بل أن تجعل خصمك يخوض معركته الخطأ… في التوقيت الخطأ… في المكان الخطأ.

في عالم متعدد الأقطاب، لم تعد الهزيمة دائمًا بصوت القنابل، بل بصمت التحولات الكبرى التي تنمو خلف دخان الانتصارات الوهمية.

أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال