بعد حرب إيران وإسرائيل: شرق أوسط لن يعود كما كان

حين تندلع حرب بين قوتين بهذا الحجم - إيران وإسرائيل - فإنها لا تكون مجرد مواجهة عسكرية محدودة، بل لحظة مفصلية في تاريخ الإقليم بأسره. ليست هذه مجرد حرب جديدة تُضاف إلى سجل الشرق الأوسط الملتهب، بل هي صدام يعيد صياغة التوازنات، ويكشف هشاشة الهياكل التي طالما بدت راسخة.

فمهما كانت نتيجة الحرب - انتصارًا لإيران أو لإسرائيل، أو حتى تسوية ضبابية - فمن المؤكد أن ما بعدها لن يكون كما قبلها.


تفكك السردية الإسرائيلية

إسرائيل اعتادت خوض حروبها مع مجموعات أو دول ضعيفة، حيث تملك فيها السيطرة الجوية الكاملة، وتتحكم بالإيقاع، وتضمن دعمًا غربيًا ثابتًا دون تكاليف تُذكر في الداخل. أما هذه المرة، فقد وصلت الحرب إلى داخل غرف نومها:

  • المواطنون لا يغادرون الملاجئ،
  • الطائرات المدنية توقفت،
  • السفر تحول إلى تهريب،
  • الاقتصاد مُعطل،
  • والحكومة تظهر عجزًا غير مسبوق في ضبط الجبهة الداخلية.

هذا يكسر صورة "القوة التي لا تُقهر"، ويهدم الدعاية التي بُنيت لعقود حول قدرة إسرائيل على الردع المطلق. هنا فقط، يتعرّى الكيان الصهيوني أمام نفسه والعالم، كدولة جبهة أمريكية لا تتحرك إلا بأوامر واشنطن.


إيران تغيّر المعادلة

بغضّ النظر عن الموقف من النظام الإيراني، فإن دخول طهران في مواجهة مباشرة، واستعدادها لدفع الثمن، يُعيد تعريف مفهوم الردع في الإقليم. الرسالة ليست لإسرائيل وحدها، بل لكل حلفائها:
إيران قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي، وتوسيع دائرة النار إلى ما يتجاوز مجرد وكلاء محليين.

حتى إن انتهت الحرب بتكلفة كبيرة على طهران، فإن قدرتها على الصمود والمناورة الإقليمية ستُعيد ترتيب أوراق كثيرة، من العراق إلى لبنان، ومن سوريا إلى الخليج.


سقوط الأسقف الخليجية

  • الحرب وضعت أنظمة الخليج في مأزق وجودي:
  • من جهة، هم في الحلف الأمريكي-الإسرائيلي،
  • ومن جهة أخرى، يرون الدخان يتصاعد من الشمال، والاحتمالات تقترب من أبوابهم.

سيكون على هذه الدول إعادة التفكير جذريًا في سياساتها الدفاعية، وتحالفاتها الاستراتيجية، وربما، للمرة الأولى، تستشعر أن الولايات المتحدة قد لا تكون مظلة مضمونة عند الحسم.


انكشاف الوهم الأمريكي

واشنطن تبدو، كما في أوكرانيا، وكما في تايوان، تدير الحرب من الخلف، تحرّك أدواتها، دون التورط المباشر. لكن هذه الاستراتيجية تترك حلفاءها في مواجهة مفتوحة، ثم تبحث عن تسوية تحفظ مصالحها، لا مصالحهم.

بالتالي، فإن الحرب تُعزز لدى الكثير من شعوب ودول المنطقة شعورًا بأن زمن "الحماية الأمريكية" قد انتهى، وأن على كل قوة أن تعيد بناء معادلتها الأمنية من الصفر.


بروز تحالفات غير تقليدية

مع انكشاف التصدعات في النظام الإقليمي، ستتشكّل اصطفافات جديدة. لم تعد المحاور كما كانت:

  • معسكر أمريكي ضد معسكر مقاوم، بل أصبح المشهد أعقد:
  • دول تسعى للحياد الذكي،
  • وقوى تُراجع أولوياتها،
  • وتحالفات مرنة قد تظهر وفق المصالح، لا وفق الأيديولوجيا.

خاتمة تحليلية:

هذه الحرب، أيا كانت نهايتها، هي لحظة سقوط الأقنعة. ستنكشف حدود القوة الإسرائيلية، وستُختبر جدية التحالفات، وستُعاد كتابة خرائط النفوذ بأحبار الخوف والخسائر والتغيّرات.

إنها ليست فقط حربًا بين طهران وتل أبيب، بل معركة إعادة تشكيل الشرق الأوسط، حيث لا أحد سيخرج كما دخل.

*
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال